القول في أحوال متعلقات الفعل
  الذّكر، كما تقول في قوم تريد أن تصفهم بالغلوّ في أمر صاحبهم وتعظيمه. إني أراهم قد اعتقدوا أمرا عظيما؛ فهم يقولون أبدا: زيد الأمير، تريد أنه كذلك يكون ذكرهم له إذا ذكروه.
  واعلم أن لحذف التنوين من عزير في الآية وجهين:
  أحدهما: أن يكون لمنعه من الصّرف لعجمته وتعريفه، كعازر.
  والثاني: أن يكون لالتقاء الساكنين، كقراءة من قرأ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ١ اللهُ الصَّمَدُ ٢}[الإخلاص: الآيتان ١ - ٢] بحذف التنوين من «أحد» وكما حكي عن عمارة بن عقيل أنه قرأ: {وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ}[يس: الآية ٤٠] بحذف التنوين من «سابق» ونصب «النهار» فقيل له: وما تريد؟ فقال: سابق النهار.
  فالمعنى على هذين الوجهين كالمعنى على إثبات التنوين؛ فـ «عزير» مبتدأ و «ابن الله» خبره، و «قال» على أصله، والله أعلم.
  وأما تقديم مفعوله ونحوه عليه فلردّ الخطأ في التعيين، كقولك: «زيدا عرفت» لمن اعتقد أنك عرفت إنسانا وأنه غير زيد، وأصاب في الأول دون الثاني، وتقول لتأكيده وتقريره: «زيدا عرفت لا غيره» ولذلك لا يصح أن يقال: «ما زيدا ضربت ولا أحدا من الناس» لتناقض دلالتي الأول والثاني، ولا أن تعقب الفعل المنفيّ بإثبات ضدّه، كقولك: «ما زيدا ضربت ولكن أكرمته» لأن مبنى الكلام ليس على الخطأ في الضرب، فترده إلى الصواب في الإكرام، وإنما هو على الخطأ في المضروب حين اعتقد أنه زيد، فردّه إلى الصواب أن تقول: «ولكن عمرا».
  وأما نحو قولك: «زيدا عرفته» فإن قدّر المفسّر المحذوف قبل المنصوب أي: عرفت زيدا عرفته؛ فهو من باب التوكيد، أعني تكرير اللفظ؛ وإن قدّر بعده، أي: زيدا عرفت عرفته؛ أفاد التخصيص.
  وأما نحو قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ}[فصّلت: الآية ١٧] فيمن قرأ بالنصب فلا يفيد إلا التخصيص؛ لامتناع تقدير: أما فهدينا ثمود.
  وكذلك إذا قلت: «بزيد مررت» أفاد أن سامعك كان يعتقد مرورك بغير زيد، فأزلت عنه الخطأ مخصصا مرورك بزيد دون غيره.
  والتخصيص في غالب الأمر لازم للتقديم، ولذلك يقال في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ٥}[الفاتحة: الآية ٥]: معناه نخصّك بالعبادة، لا نعبد غيرك ونخصّك بالاستعانة، لا نستعين غيرك.