رسالة يا بني،

طيب عوض منصور (معاصر)

حقوق الوالدين

صفحة 17 - الجزء 1

  وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: مَعْنَاهُ يُخَلِّصُهُ مِنْ أَسْرِ الرِّقِّ كَمَا خَلَّصَهُ مِنْ أَسْرِ الصِّغَرِ. انْتَهَى.

  وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمَا وَلِيَاهُ صَغِيرًا جَاهِلاً مُحْتَاجًا، فَآثَرَاهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا، وَسَهِرَا لَيْلَهُمَا وَأَنَامَاهُ، وَجَاعَا وَأَشْبَعَاهُ، وَتَعَرَّيَا وَكَسَوَاهُ فَلاَ يُجْزِيهِمَا إِلاَّ أَنْ يَبْلُغَا مِنَ الْكِبَرِ إلَى الْحَدِّ الَّذِي كَانَ هُوَ فِيهِ مِنَ الصِّغَرِ، فَيَلِي مِنْهُمَا مَا وَلِيَا مِنْهُ، وَيَكُونُ لَهُمَا حِينَئِذٍ عَلَيْهِ فَضْلُ التَّقَدُّمِ بِالنِّعْمَةِ عَلَى الْمُكَافِئِ عَلَيْهَا.

  يَا بُنَيَّ: أَهَكَذَا يَكُونُ الْبِرُّ بِأُمِّكَ، الَّتِي حَمَلَتْكَ فِي بَطْنِهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، كَأَنَّهَا تِسْعُ حِجَجٍ، وَقَاسَتْ خَلاَلَ ذَلِكَ مِنَ الآلاَمِ وَالْمَتَاعِبِ، مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ.

  يَا بُنَيَّ: إِنَّهَا أُمُّكَ الَّتِي حَمَلَتْكَ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ عَدَداً، أُمُّكَ الَّتِي لَمْ تُقَدِّمْ عَلَى حُبِّكَ مِنَ الْخَلْقِ أَحَداً، حَمَلَتْكَ كَرْهاً، وَوَضَعَتْكَ كَرْهاً، مَشَقَّةً بَعْدَ مَشَقَّةٍ، وَثِقَلاً مِنْ بَعْدِ ثِقَلٍ تَرَكَتِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ تَوَحُّماً، وَفَارَقَتِ النَّوْمَ تَوَجُّعاً وَتَأَلُّماً، وَعِنْدَ الوِلاَدَةِ صَحِبَتْهَا زَفَرَاتٌ وَأَنَّاتٌ، وَقَاسَتْ آلاَمًا وَآهَاتٍ، وَحِينَ أَبْصَرَتْكَ أَبْصَرَتْ فِيكَ الْحَيَاةَ وَبَسْمَتَهَا، وَالسَّعَادَةَ وَبَهْجَتَهَا، تَحِنُّ