الحسد:
  وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ: أَنَّ الْحَاسِدَ مَذْمُومٌ.
  فَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْحَاسِدَ لاَ يَنَالُ فِي الْمَجَالِسِ إِلاَّ نَدَامَةً.
  وَلاَ يَنَالُ عِنْدَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ لَعْنَةً وَبَغْضَاءَ.
  وَلاَ يَنَالُ فِي الْخَلْوَةِ إِلاَّ جَزَعًا وَغَمًّا.
  وَلاَ يَنَالُ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ حُزْنًا وَاحْتِرَاقًا.
  وَلاَ يَنَالُ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ بُعْدًا وَمَقْتًا ..
  وَالْحَاسِدُ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، حَيْثُ أَتْعَبَ نَفْسَهُ وَأَحْزَنَهَا، وَأَوْقَعَهَا فِي الإِثْمِ، وَلِغَيْرِهِ حَيْثُ لَمْ يُحِبَّ لَهُ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَلِذَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ:
  وَأَظْلَمُ أَهْلِ الأَرْضِ مَنْ كَانَ حَاسِدًا ... لِمَنْ بَاتَ فِي نَعْمَائِهِ يَتَقَلَّبُ
  وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ: أَنَّ دَاءَ الْحَسَدِ مِنْ أَعْظَمِ الأَدْوَاءِ، وَالابْتِلاَءُ بِهِ مِنْ أَشَدِّ الْبَلْوَى، يَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى مَرْكَبٍ صَعْبٍ، وَيُبْعِدهُ عَنِ التَّقْوَى، وَيُرْكِبهُ الأَهْوَاء، فَيَظِلّ وَيَغْوَى، يَضِيقُ صَدْرَ الْحَسُودِ وَيَنْفَطِرُ قَلْبهُ إِذَا رَأَى نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، فَيُعَانِي مِنَ الْبُؤْسِ وَالَّلأْوَى، مَا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبُثَّ مَعَهُ مَا يَجِدهُ مِنَ الْحُزْنِ وَالْقَلَقِ، وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الشَّكْوَى، إِلاَّ إِلَى الشَّيْطَانِ وَنَفْسِهِ الأَمَّارَةِ