حقوق الوالدين
  أَتُرِيدُ يَا بُنَيَّ: أَنْ تَعْرِفَ عِظَم وُجْد الأَب عَلَى ابْنِهِ، فَاسْمَعْ مَعِي هَذِهِ الأَبْيَات:
  غَذَوْتُكَ مَوْلُودًا وَعُلْتُكَ يَافِعًا(١) ... تُعَلُّ بِمَا أُدْنِي عَلَيْكَ وَتَنْهَلُ
  إِذَا لَيْلَةٌ نَابَتْكَ بِالسُّقْمِ لَمْ أَبِتْ ... لِذِكْرِكَ إِلاَّ سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ(٢)
  كَأَنِّي أَنَا الْمَطْرُوقُ دُونَكَ بِالَّذِي ... طُرِقْتَ بِهِ دُونِي وَعَيْنِيَ تَهْمُلُ
  تَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عَلَيْكَ وَإِنَّهَا ... لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ حَتْمٌ مُؤَجَّلُ
  فَلَمَّا بَلَغْتَ السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي ... إِلَيْهَا مَدَى مَا كُنْتُ فِيكَ أُؤُمِّلُ
  جَعَلْتَ جَزَائِي غِلْظَةً وَفَظَاظَةً ... كَأَنَّكَ أَنْتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ
  وَتَزْعُمُ أَنِّي قَدْ كَبُرْتُ وَعِفْتَنِي ... وَلَمْ يَأْتِ لِي فِي السِّنِّ سِتِّيْنَ كُمَّلُ
  وَسَمْيَّتَنِي بِاسْمِ الْمُفَنَّدِ(٣) رَأْيُهُ ... وَفِي رَأْيِكَ التَّفْنِيدُ لَوْ كُنْتُ تَعْقِلُ
  فَلَيْتَكَ إِذْ لَمْ تَرْعَ حقَّ أُبُوَّتِي ... فَعَلْتَ كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَلُ
  فَأَوَلَيْتَنِي حَقَّ الْجِوَارِ وَلَمْ تَكُنْ ... عَليَّ بِمَالِي دُونَ مَالَكَ تَبْخَلُ
  وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ الْمُهَيْمِنُ أَنَّنِي ... بِمَالِي وَنَفْسِي عَنْكَ مَا كُنْتُ أَبْخَلُ
  فَتَبْخَل بِالْوُدِّ الْيَسِيرِ عَلَى أَبٍ ... بِكَ الدَّهْرُ مَشْغُوفٌ معَنَّى مُوَكَّلُ
(١) (الْيَافِعُ): مَنْ شَارَفَ الاحْتِلاَم، وَهُوَ دُونَ الْمُرَاهِقُ ....
(٢) (التَّمَلْمُلُ): الْقَلَقُ مِنْ حَرَارَةِ الْكَرْبِ .... التَّوقِيْفُ عَلَى مُهِمَّاتِ التَّعَارِيفِ ..
(٣) (الْمُفَنَّدُ): الَّذِي لَيْسَ لَهُ عَقْلٌ ذَلِكَ الْمُفَنَّدُ، وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْفَنَدُ بِالتَّحْرِيكِ الْخَرَفُ وَإِنْكَارُ الْعَقْلِ لِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ، وَالْخَطَأُ فِي الْقَوْلِ وَالرَّأْيِ. وَالْكَذِبُ كَالإِفْنَادِ، وَفَنَّدَهُ تَفْنِيدًا كَذَّبَهُ وَعَجَّزَهُ، وَخَطَّأَ رَأْيَهُ كَأَفْنَدَهُ.