ترك ما لا يعنيك
  فَقَالَ: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ، فَمَنْ أَرَادَ السَلاَمَةَ فَلْيَحْفَظْ مَا جَرَى بِهِ لِسَانُهُ، وَلْيَحْرُسْ مَا انْطَوَىَ عَلَيْهِ جَنَانُهُ، وَلْيُحْسِنْ عَمَلَهُ، وَلَيُقَصٍّرْ أَمَلَهُ».
  ثُمَّ لَمْ تَمْضِ أَيَّامٌ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}.
  يَا بُنَيَّ: إِنَّ اللِّسَانَ أَعْظَمُ آلَةِ الشَّيْطَانِ فِي اسْتِغْوَاءِ الإِنْسَانِ، فَمَنْ أَطْلَقَ عَذَبَةَ اللِّسَان، وَأَهْمَلَهُ مُرْخِيَّ الْعِنَانِ فِي كُلِّ مَيْدَانٍ، سَاقَهُ إِلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ، وَلاَ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ...
  قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَفَّ اللِّسَانِ، وَضَبْطَهُ وَحَبْسَهُ، هُوَ أَصْلُ الْخَيْرِ كُلِّهِ.
  وَأَنَّ مَنْ مَلَكَ لِسَانَهُ فَقَدْ مَلَكَ أَمْرَهُ، وَأَحْكَمَهُ، وَضَبَطَهُ.
  قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَالْمُرَادُ بِحَصَائِدِ الأَلْسِنَةِ جَزَاءُ الْكَلاَمِ الْمُحَرَّمِ وَعُقُوبَاتُهُ، فَإِنَّ الإِنْسَانَ يَزْرَعُ بِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ يَحْصُدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا زَرَعَ، فَمَنْ زَرَعَ خَيْرًا مِنْ قَوْلٍ، أَوْ عَمَلٍ حَصَدَ الْكَرَامَةَ، وَمَنْ زَرَعَ شَرًّا مِنْ قَوْلٍ، أَوْ عَمَلٍ، حَصَدَ النَّدَامَةَ.