طلب العلم:
  ثُمَّ قَالَ: «يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ: إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ(١) فَخَيْرُهَا(٢) أَوْعَاهَا(٣) فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ.
  النَّاسُ ثَلاَثَةٌ:
  فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ.
  وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ(٤).
  وَهَمَجٌ رُعَاعٌ(٥)، أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ(٦)، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ(٧).
  لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ(٨).
(١) قَوْلُهُ: «أَوْعِيَةٌ»: وَالْوِعَاءُ: مَا يُوعَى فِيهِ الشَّيْءُ، أَيْ: يُجْمَعُ، وَجَمْعُهُ أَوْعِيَةٌ ...
(٢) قَوْلُهُ: «فَخَيْرُهَا»: أَيْ: أَحْسَنَهَا.
(٣) قَوْلُهُ: «أَوْعَاهَا»: أَيْ: أَحْفَظُهَا.
(٤) قَوْلُهُ: «وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ»: أَيْ: قَاصِدًا بِعِلْمِهِ النَّجَاةَ، وَهُوَ الْمُخْلِصُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي تَعَلُّمِهِ، الْمُتَعَلِّمُ مَا يَنْفَعُهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وآخِرَتِهِ، الْعَامِلُ بِعِلْمِهِ .....
(٥) «الْهَمَجُ»: ذُبَابٌ صَغِيرٌ كَالْبَعُوضِ، يَسْقُطُ عَلَى وُجُوهِ الْغَنَمِ، وَالْحَمِيرِ، وَأَعْيُنِهَا، الْوَاحِدَةُ: هَمَجَةٌ.
«وَالرَّعَاعُ): بِالْفَتْحِ السِّفْلَةُ مِنَ النَّاسِ، الْوَاحِدُ رَعَاعَةٌ، وَيُقَالُ: هُمْ أَخْلاَطُ النَّاسِ.
(٦) قَوْلُهُ: «أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ»: شَبّهَهُمْ بِالْغَنَمِ فِي اتِّبَاعِهِمْ كُلّ مَنْ يَدْعُوهُمْ، كَمَا تَتْبَعُ الْغَنَمِ الرَّاعِي إِذَا نَعَقَ بِهَا.
وَالْمَعْنَى: مَنْ صَاحَ بِهِمْ وَدَعَاهُمْ تَبِعُوهُ، سَوَاءٌ دَعَاهُمْ إِلَى هُدَىً، أَوْ إِلَى ضَلاَلٍ، فَإِنَّهُمْ لاَ عِلْمَ لَهُمْ بِالَّذِي يُدْعَوْنَ إِلَيْهِ، أَحَقٌّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ.؟
فَهُمْ مُسْتَجِيبُونَ لِدَعْوَتِهِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ أَضَرِّ النَّاسِ عَلَى الدَّيْنِ، فَإِنَّهُمُ الأَكْثَرُونَ عَدَدًا، الأَقَلُّونَ عِنْد اللَّهِ قَدْراً، وَهُمْ حَطَبُ كُلِّ فِتْنَةٍ، وَسُمِّيَ دَاعِيهمْ نَاعِقاً تَشْبِيهًا لَهُمْ بِالإِنْعَامِ الَّتِي يَنْعَقُ بِهَا الرَّاعِي ...
(٧) وَقَوْلُهُ: «يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ»، شَبَّهَ عُقُولَهُمْ الضَّعِيفَة بِالْغُصْنِ الضَّعِيفِ، وَشَبَّهَ الأَهْوَاءَ، وَالآرَاء بِالرِّيَاحِ، وَالْغُصْنُ يَمِيلُ مَعَ الرِّيحِ حَيْثُ مَالَتْ، وَعُقُولُ هَؤُلاَءِ تَمِيلُ مَعَ كُلِّ هَوًى، وَكُلُّ دَاعٍ، وَلَوْ كَانَتْ عُقُولاً كَامِلَةً كَانَتْ كَالشَّجَرَةِ الْكَبِيرَة الَّتِي لاَ تَتَلاَعَبُ بِهَا الرِّيَاحُ.
(٨) وَقَوْلُهُ: «لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ»، بَيَّنَ السَّبَبَ الَّذِي جَعَلَهُمْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ نُورٌ يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَهُمْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ نُورُ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَتَّبِعُوا مَنْ أَمَرَ اللَّهُ بِاتِّبَاعِهِمْ مِمَّنْ يَدُلُّهُمْ عَلَى الْحَقِّ، بَلْ يَتَخَبَّطُونَ فِي ظُلُماتِ الْجَهَالاَتِ، وَالضَّلاَلاَتِ، إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ..