الوصية الخالدة وصية الإمام علي # لابنه الحسن $
  وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ: أَنَّ أَحَداً لَمْ يُنْبِئْ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ نَبِيُّنَا ÷ فَارْضَ بِهِ رَائِداً(١)، وَإِلَى النَّجَاةِ قَائِدَاً فَإِنِّي لَمْ آلُكَ نَصِيحَةً(٢)، وَإِنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ فِي النَّظَرِ لِنَفْسِكَ - وَإِنِ اجْتَهَدْتَ - مَبْلَغَ نَظَرِي لَكَ.
  وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لاََ تَتْكَ رُسُلُهُ، وَلَرَأَيْتَ آثَارَ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَلَعَرَفْتَ أَفْعَالَهُ وصِفَاتِهِ، وَلكِنَّهُ إِلهٌ وَاحدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، لاَ يُضَادُّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ، وَلاَ يَزُولُ أَبَداً وَلَمْ يَزَلْ أَوَّلٌ قَبْلَ الأَشْيَاءِ بِلاَ أَوَّلِيَّة، وَآخِرٌ بَعْدَ الأَشْيَاءِ بِلاَ نِهَايَة، عَظُمَ عَنْ أَنْ تَثْبُتَ رُبُوبِيَّتُهُ بَإحَاطَةِ قَلْب أَوْ بَصَر.
  فَإِذَا عَرَفْتَ ذلِكَ فَافْعَلْ كَمَا يَنْبَغِي لِمِثْلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي صِغَرِ خَطَرِهِ(٣)، وَقِلَّةِ مَقْدِرَتِهِ(٤)، وَكَثْرَةِ عَجْزِهِ، عَظِيمِ حَاجَتِهِ إِلَى رَبِّهِ، فِي طَلَبِ طَاعَتِهِ، وَالرَّهْبَةِ مِنْ عُقُوبَتِهِ، وَالشَّفَقَةِ مِنْ سُخْطِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْكَ إِلاَّ بِحَسَن، وَلَمْ يَنْهَكَ إِلاَّ عَنْ قَبِيح.
(١) الرَّائِدُ: من ترسله فِي طَلَبِ الكلأ ليتعرف موقعه، والرسول قَدْ عَرَفَ عَنِ اللَّهِ وأخبرنا فَهُوَ رائد سعادتنا.
(٢) أَيْ: لَمْ أُقَصِّرْ فِي نُصْحِكَ وَلاَ منعتك مِنْهُ شيئاً.
(٣) أَيْ: ضعف حاله.
(٤) أَيْ: حقارة قدرته عَلَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.