الإحياء على شهادة الإجماع،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

[في قولهم في النبوة إنها فعل النبي]

صفحة 96 - الجزء 1

  وإن قالوا: لا يكون نبياًّ إلا بمجموع أفعاله. قيل لهم: فيلزم أن لا يكون نبيناًّ ما لم تحصل تلك الأفعال كلها؛ وهذا يوجب أن لا يكون نبياًّ إلا عند انقضاء التكليف وزوال التعبد؛ لأن الأفعال لا تجتمع فتكون قد وجدت معاً إلا في تلك الحال، وكان لا يجب على أحد متابعته ولا تلزمهم طاعته قبل ذلك؛ لأنه لم يكن نبياًّ إلا بعد موته، ولا تصح دعواه لذلك، ولا ظهور المعجزات عليه، ولا تصح بعثته إلى الخلق في حالةٍ لم يكن فيها نبياًّ، وكل ذلك باطل ومعلوم خلافه.

  وإن قالوا: إن النبوة بعض أفعاله دون بعض، نحو أن يقولوا: هي الفرائض دون النوافل أو العقليات دون السمعيات. قيل: فالإلزام قائم؛ فيجب أن لا يكون نبياًّ ما لم يفعل جميع الفرائض التي تجب في كافة عمره، وسواء قالوا العقلية أو السمعية، وهذا يوجب ان لا يكون نبياًّ إلا عند موته؛ لأنها الحالة التي يتكامل⁣(⁣١) فيها قيامه بالفرائض؛ لأنه ما زال يفعل الفرائض طول أيامه.

  وإن قالوا: البعض منها دون البعض. كان الكلام كما تقدم من أنه يلزمهم أن يكون نبياًّ قبل وقت مبعثه، بل في أول أحوال بلوغه إن كان قام في ذلك الوقت بواجب، وإن كان لم يقم بشيء من الواجب أدى ذلك⁣(⁣٢) إلى أن يكون تاركاً لِمَا وجب عليه، وفي ذلك كونه عاصياً مستحقاًّ للعذاب، سيما ومن جملة الواجبات معرفة الله سبحانه التي من تركها حتى لم يعرف خالقه كان تركُها من أعظم الذنوب، وكل ذلك باطل.

  ويلزم على ذلك أيضاً أن يكون كل من شاركه في ذلك الفعل بفعل مثله نبياًّ به، ومعلوم أن أمير المؤمنين # نشأ على الإيمان الحقيقي، ودخل في


(١) في (ش): «يتكالم».

(٢) نهاية ٣٠ ب (ش).