البحث الثالث في الأسباب الحاملة على الغيبة
  فيخوض معهم في ذكر العيوب.
  الثالث: أن يستشعر من إنسان أنه سيذمه عند بعض الرؤساء، ويشهد عليه بشهادة، فيبادر قبل أن يقبح حاله، فيطعن فيه ليسقط(١) أثر شهادته عليه، وقد يبتدئ بذكر ما فيه صادقاً ثم يكذب عليه، فيروج كذبه بالصدق الأول.
  الرابع: المباهاة وحب الرئاسة، مثل أن يقول: كلام فلان ركيك، ومعرفته بالفن الفلاني ناقصة، وغرضه إظهار فضله عليه.
  الخامس: الحسد(٢)، وإسقاط قدر من يمدحه الناس بذكر مساوئه؛ لأنه يشق عليه ذكر ثناء الناس عليه، ولا يجد سبيلاً إلى سد باب الثناء عليه إلا
= توقي مستقبله ونتائجه، فمن لم يقدم الحيلة قبل نزول الأمر أعيته، إذ عند هجوم المكروه تضعف العقول، وقيل للأحنف: إنك لحليم، فقال: لست بحليم، ولكني أتحالم، والله إني لأسمع الكلمة فأجم لها، ما يمنعني من الجواب عنها إلا خوف أن أسمع ما هو شر منها، وقال آخر: خير الناس مقالاً في النعمة، من استدام مقيمها بالشكر، واسترجع نافرها بالصبر. تمت.
(١) ليسقط، زيادة من (ب).
(٢) هامش في (ب) لفظه: والله القائل:
ألا قل لمن كان لي حاسداً ... أندري على من أسات الأدب
أسأت على الله في فعله ... لأنك لم ترض لي ما وهب
قال بعضهم: الحسود هو المعذب الذي لا يُرحم، ولا يزال في عذاب دائم. تمت.