إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

الكلام في ذكر ما في القرءان من الإخبار عن الغيوب

صفحة 248 - الجزء 1

  قيل له: لأن الخبر عن الغيب على وجه يكون صدقا على جهة الاستمرار، لا يصح إلا من العالم به، لأن ذلك لو صح من غير العالم، لم يمكن الاستدلال بالفعل المحكم المتقن، على أن فاعله عالم، لأن من جوَّز ذلك، يلزمه أن تكون الأفعال الكثيرة المنتظمة المتسقة تقع من المبَخِّت الذي ليس بعالم به، لأن الخبر الصدق في حكم الفعل المتقن، في احتياجه إلى أن يكون الفاعل ل هـ عالما، وهذه الجمل هي من علوم البدايه التي لا تعزب عن كامل العقل، بل عن المراهق، وإن لم يبلغ كمال العقل.

  فإن قيل: كيف ادعيتم أن ذلك من البدايه، وأنتم تجدون كثيرا من العقلاء، يعتقدون في الكهان والمنجمين، أنهم يجوز أن يخبروا عن الغيوب؟

  قيل لهم: إنهم لا يجوزون ذلك، إلا إذا اعتقدوا أنهم عالمون بذلك، وليس ذلك خلاف ما ادعيناه، من أن العلم بأن الاخبار عن الغيب لا يصح إلا من العالم.

  ومن جملة البدايه أن أولئك أخطأوا، حين اعتقدوا أن هؤلاء يعلمون الغيب، ولم يعتقدوا أنهم أخبروا من غير أن يعلموا.