إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

[قرآن مسيلمة الكذاب]

صفحة 114 - الجزء 1

  وجد رومية حسناء أن يكون استلذاذه للزنجيات القباح أشد، وهذا هوس لا يظنه عاقل!

  فأما مد الحنجرة به، فأي تأثير له في مواقع الكلام؟! أَمَا يعلم هذا الجاهل: أن الانسان قد يسمع كثيرا من الأبيات الملحنة من المغنين والقوَّالين، ثم لا يخفى عليه إذا كان من أهل الصناعة الفرق بين جيدها ورديئها، وفصيحها ومستَرذَلها، ثم لا يخفى عليه الفرق بين الرديء الذي سمعه ملحنا، وبين الذي لم يسمعه قط ملحنا؟ فأي تأثير في هذا الباب لمد الحنجرة؟ لولا أنه كما قال ø: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ٤٦}⁣[الحج].

  فإن قيل: فهبكم قد عرفتم التفاوت الذي بين القرءان، وبين كلام هذا الانسان، وعلمتم أنه لا يصح أن تكون معارضة للقرآن للوجوه التي ذكرتموها، والأمثال التي ضربتموها، فكيف تعرفه العامة والذين لا يعرفون ما ذكرتم وبينتم؟!

  قيل لهم: طريق معرفتهم هو أنهم يعرفون الأخبار التي تتوافر عليهم. إن مثل أهل العراق ومن نحا نحوهم، وكذلك الفرس وأشباهم، تقصر فصاحاتهم وبلاغاتهم في منثور الكلام ومنظومه عن فصاحة العرب من أهل البادية وبلاغاتهم. إذا عرفوا ذلك وعرفوا عجز العرب عن الاتيان بمثل القرءان بما نبينه عرفوا عجزَ مَن دونهم، لأنه لا يجوز أن يعجز عن الشيء من يكون في الطبقة العليا من التمكن، ولا يعجز عنه