إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

الكلام في بيان أن الإعراض عن المعارضة إنما كان للتعذر

صفحة 128 - الجزء 1

  أنفسهم، ليحصل لهم العلم به بذلك، فيعود الأمر إلى ما قلناه، من أنه لا بد من أن يكونوا عرفوا ذلك وتحققوه.

  ولا يصح أن يقال: [إنهم] تركوا معارضته لأنهم وجدوه كسائر الكلام المعتاد الذي كان يجري بينهم دائما في محاوراتهم ومخاطباتهم، لأن العلم بأنه بخلاف ذلك علم ضروري. ولأن ذلك لو كان كذلك لجرى مجرى أن يدعي النبوة، ويتحداهم بأنه يأكل ويشرب ويقوم ويقعد، ويتصرف كما يتصرف غيره، ويجعل ذلك معجزته صلى الله عليه وآله، وهذا لا يجوز أن يقع من العاقل الذي يكون غرضه أن يَعظُم في الصدق، ويُعتَقَد فيه أنه ممن يجب أن يطاع، وأن يأتمر الخلق لأوامره، وينزجروا عند زواجره، لأن ذلك مما يجري مجرى التسوية بالنفس إليه، [وهذا] يؤدي إلى أن يسخر منه ويستهزأ به، ويسقط بإيراده من العيون، وتنحط منزلته، لأن ذلك مما ينفِّر عنه أصحابه، ويمكِّن أعداءه من التسلق عليه، ولأن ذلك لو كان كذلك لاحتج به الأعداء، وقرعوه وقرعوا أصحابه. وهذا يوضح بطلان قول مَن يتعلق بذلك.