القول في الوصل والفصل
  وما عفت الرّياح له محلّا ... عفاه من حدا بهم وساقا(١)
  فإنه لما نفى الفعل الموجود عن الرياح؛ كان مظنة أن يسأل عن الفاعل.
  وأيضا من الاستئناف ما يأتي بإعادة اسم ما استؤنف عنه، كقولك: أحسنت إلى زيد، زيد حقيق بالإحسان.
  ومنه ما يبنى على صفته، كقولك: أحسنت إلى زيد، صديقك القديم أهل، وهذا أبلغ؛ لانطوائه على بيان السبب.
  وقد يحذف صدر الاستئناف، لقيام قرينة، كقوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ٣٦ رِجالٌ}[النّور: الآيتان ٣٦، ٣٧] فيمن قرأ «يسبّح» مبنيّا للمفعول، وعليه نحو قولهم: نعم الرجل أو رجلا زيد. وبئس الرجل أو رجلا عمرو، على القول بأن المخصوص خبر مبتدأ محذوف، أي: هو زيد، كأنه لما قيل ذلك فأبهم الفاعل بجعله معهودا ذهنيا، مظهرا أو مضمرا، سئل عن تفسيره، فقيل: هو زيد، ثم حذف المبتدأ.
  وقد يحذف الاستئناف كله، ويقام ما يدل عليه مقامه كقول الحماسي: [مساور بن هند]
  زعمتم أن إخوتكم قريش ... لهم إلف، وليس لكم إلاف(٢)
  حذف الجواب الذي هو: كذبتم في زعمكم، وأقام قوله: «لهم ألف، وليس لكم إلاف» مقامه لدلالته عليه، ويجوز أن يقدّر قوله: «لهم إلف وليس لكم إلاف» جوابا لسؤال اقتضاه الجواب المحذوف، كأنه لما قال المتكلم: كذبتم؛ قالوا: لم كذبنا؟ فقال: لهم إلف، وليس لكم إلاف؛ فيكون في البيت استئنافان.
  وقد يحذف ولا يقام شيء مقامه، كقوله تعالى: {نِعْمَ الْعَبْدُ}[ص: الآية ٣٠] أي: أيّوب، أو هو؛ لدلالة ما قبل الآية وما بعدها عليه، ونحوه قوله: {فَنِعْمَ الْماهِدُونَ}[الذّاريات: الآية ٤٨] أي: نحن.
  وإن لم يكن بين الجملتين شيء من الأحوال الأربع تعين الوصل.
  إما لدفع إيهام خلاف المقصود كقول البلغاء: لا، وأيّدك الله، وهذا عكس الفصل للقطع.
(١) البيت من الوافر، وهو في ديوان المتنبي ٢/ ٤٠.
(٢) البيت من الوافر، وهو لمساور بن هند في لسان العرب (ألف)، وتاج العروس (ألف)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٤٤٩، وبلا نسبة في تهذيب اللغة ١٥/ ٣٧٩، وتاج العروس (ألت).