الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القول في الوصل والفصل

صفحة 126 - الجزء 1

  وما عفت الرّياح له محلّا ... عفاه من حدا بهم وساقا⁣(⁣١)

  فإنه لما نفى الفعل الموجود عن الرياح؛ كان مظنة أن يسأل عن الفاعل.

  وأيضا من الاستئناف ما يأتي بإعادة اسم ما استؤنف عنه، كقولك: أحسنت إلى زيد، زيد حقيق بالإحسان.

  ومنه ما يبنى على صفته، كقولك: أحسنت إلى زيد، صديقك القديم أهل، وهذا أبلغ؛ لانطوائه على بيان السبب.

  وقد يحذف صدر الاستئناف، لقيام قرينة، كقوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ٣٦ رِجالٌ}⁣[النّور: الآيتان ٣٦، ٣٧] فيمن قرأ «يسبّح» مبنيّا للمفعول، وعليه نحو قولهم: نعم الرجل أو رجلا زيد. وبئس الرجل أو رجلا عمرو، على القول بأن المخصوص خبر مبتدأ محذوف، أي: هو زيد، كأنه لما قيل ذلك فأبهم الفاعل بجعله معهودا ذهنيا، مظهرا أو مضمرا، سئل عن تفسيره، فقيل: هو زيد، ثم حذف المبتدأ.

  وقد يحذف الاستئناف كله، ويقام ما يدل عليه مقامه كقول الحماسي: [مساور بن هند]

  زعمتم أن إخوتكم قريش ... لهم إلف، وليس لكم إلاف⁣(⁣٢)

  حذف الجواب الذي هو: كذبتم في زعمكم، وأقام قوله: «لهم ألف، وليس لكم إلاف» مقامه لدلالته عليه، ويجوز أن يقدّر قوله: «لهم إلف وليس لكم إلاف» جوابا لسؤال اقتضاه الجواب المحذوف، كأنه لما قال المتكلم: كذبتم؛ قالوا: لم كذبنا؟ فقال: لهم إلف، وليس لكم إلاف؛ فيكون في البيت استئنافان.

  وقد يحذف ولا يقام شيء مقامه، كقوله تعالى: {نِعْمَ الْعَبْدُ}⁣[ص: الآية ٣٠] أي: أيّوب، أو هو؛ لدلالة ما قبل الآية وما بعدها عليه، ونحوه قوله: {فَنِعْمَ الْماهِدُونَ}⁣[الذّاريات: الآية ٤٨] أي: نحن.

  وإن لم يكن بين الجملتين شيء من الأحوال الأربع تعين الوصل.

  إما لدفع إيهام خلاف المقصود كقول البلغاء: لا، وأيّدك الله، وهذا عكس الفصل للقطع.


(١) البيت من الوافر، وهو في ديوان المتنبي ٢/ ٤٠.

(٢) البيت من الوافر، وهو لمساور بن هند في لسان العرب (ألف)، وتاج العروس (ألف)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٤٤٩، وبلا نسبة في تهذيب اللغة ١٥/ ٣٧٩، وتاج العروس (ألت).