القول في الوصل والفصل
  خُذُوا}[البقرة: الآية ٦٣]، وقوله: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا}[البقرة: الآية ١٢٥] أي: وقلنا، أو قائلين.
  والأقرب أن يكون الأمر في الآيتين معطوفا على مقدر يدل عليه ما قبله، وهو في الآية الأولى: (فأنذر) أو نحوه، أي: فأنذرهم، وبشّر الذين آمنوا، وفي الآية الثانية: (فأبشر) أو نحوه، أي: فأبشر يا محمد، وبشّر المؤمنين، وهذا كما قدّر الزمخشري قوله تعالى: {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا}[مريم: الآية ٤٦] معطوفا على محذوف يدل عليه قوله: {لَأَرْجُمَنَّكَ}[مريم: الآية ٤٦] أي: فاحذرني، واهجرني؛ لأن {لَأَرْجُمَنَّكَ}[مريم: الآية ٤٦] تهديد وتقريع.
  والجامع بين الجملتين يجب أن يكون باعتبار المسند إليه في هذه، والمسند إليه في هذه، وباعتبار المسند في هذه والمسند في هذه جميعا، كقولك: يشعر زيد، ويكتب، ويعطي ويمنع، وقولك: زيد شاعر، وعمرو كاتب، وزيد طويل، وعمرو قصير، إذا كان بينهما مناسبة، كأن يكونا أخوين، أو نظيرين، بخلاف قولنا: زيد شاعر وعمرو كاتب، إذا لم يكن بينهما مناسبة، وقولنا: زيد شاعر وعمرو طويل، كان بينهما مناسبة أو لا.
  وعليه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ٦}[البقرة: الآية ٦] قطع عما قبله؛ لأنه كلام في شأن الذين كفروا، وما قبله كلام في شأن القرآن.
  وأما ما يشعر به ظاهر كلام السكاكي في موضع من كتابه، أنه يكفي أن يكون الجامع باعتبار المخبر عنه، أو الخبر، أو قيد من قيودهما، فإنه منقوض بما مرّ، وبنحو قولك: هزم الأمير الجند يوم الجمعة، وخاط زيد ثوبي فيه، ولعله سهو؛ فإنه صرّح في موضع آخر منه بامتناع عطف قول القائل: «خفّي ضيّق» على قوله: «خاتمي ضيّق» مع اتحادهما في الخبر.
  ثم قال: الجامع بين الشيئين: عقليّ، ووهميّ، وخياليّ.
  أما العقليّ فهو أن يكون بينهما اتحاد في التصوّر، أو تماثل؛ فإن العقل بتجريده المثلين عن التشخّص في الخارج يرفع التعدّد.
  أو تضايف كما بين العلّة والمعلول، والسّبب، والمسبّب، والسّفل والعلو، والأقلّ والأكثر؛ فإن العقل يأبى أن لا يجتمعا في الذّهن.
  وأما الوهمي فهو أن يكون بين تصوريهما شبه تماثل، كلون بياض ولون صفرة؛ فإن الوهم يبرزهما في معرض المثلين، ولذلك حسن الجمع بين الثلاثة التي في قوله: