الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القول في الوصل والفصل

صفحة 135 - الجزء 1

  وظاهر هذا يقتضي وجوب الواو في المنفيّ لانتفاء المعنيين، لكنه لم يجب فيه، بل كان مثله.

  أما المنفي بـ «لمّا» فلأنها للاستغراق.

  وأما المنفيّ بغيرهما؛ فلأنه لما دل على انتفاء متقدم، وكان الأصل استمرار ذلك؛ حصلت الدلالة على المقارنة عند إطلاقه؛ بخلاف المثبت؛ فإن وضع الفعل على إفادة التجدّد، وتحقيق هذا أن استمرار العدم لا يفتقر إلى سبب، بخلاف استمرار الوجود، كما بيّن في غير هذا العلم.

  وإن كانت الجملة اسميّة فالمشهور أنه يجوز فيها الأمران، ومجيء الواو أولى.

  أما الأول فلعكس ما ذكرناه في المصدّرة بالماضي المثبت؛ فمجيء الواو كقوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}⁣[البقرة: الآية ٢٢]، وقوله: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ}⁣[البقرة: الآية ١٨٧]، وقول امرئ القيس:

  أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال⁣(⁣١)

  وقوله: [امرؤ القيس]

  ليالي يدعوني الهوى وأجيبه ... وأعين من أهوى إليّ رواني⁣(⁣٢)

  والخلوّ منها كما رواه سيبويه⁣(⁣٣): «كلّمته فوه إلى فيّ» و «رجع عوده على بدئه» بالرفع، وما أنشده أبو عليّ في الإغفال [الحسن بن أحمد النحوي]⁣(⁣٤):


(١) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ٣٣، ولسان العرب (غول)، (شطن)، وتهذيب اللغة ٨/ ١٩٣، وجمهرة اللغة ص ٩٦١، وتاج العروس (زرق)، وبلا نسبة في المخصص ٨/ ١١١.

(٢) البيت من الطويل، وهو في ديوان امرئ القيس ص ٨٦.

(٣) سيبويه: هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، الملقب بسيبويه، مولى بني الحارث بن كعب، سكن الكوفة، وتوفي بمدينة ساوة سنة ١٧٧ هـ، له «الكتاب» في النحو مشهور. (كشف الظنون ٥/ ٨٠٢).

(٤) هو أبو علي الفارسي، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان بن أبان الفسوي، النحوي البغدادي، ولد سنة ٢٨٨ هـ، وتوفي سنة ٣٧٧ هـ. من تصانيفه: أبيات الإعراب، أبيات المعاني، الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني، الإيضاح الشعري، الإيضاح في النحو، التذكرة في النحو، تعليقة على كتاب سيبويه، تفسير قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} تكملة في النحو، الحجة في شرح السبعة، لابن مجاهد في القراءات، ديوان شعره، =