القسم الأول المساواة
  ورابعها: اطّراده، بخلاف قولهم. فإن القتل الذي ينفي القتل: هو ما كان على وجه القصاص، لا غيره.
  وخامسها: سلامته من التكرار الذي هو من عيوب الكلام، بخلاف قولهم.
  وسادسها: استغناؤه عن تقدير محذوف، بخلاف قولهم. فإن تقديره: القتل أنفى للقتل من تركه.
  وسابعها: أن القصاص ضدّ الحياة، فالجمع بينهما طباق، كما سيأتي.
  وثامنها: جعل القصاص كالمنبع والمعدن للحياة بإدخال «في» عليه، على ما تقدم.
  ومنه قوله تعالى: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة: الآية ٢]، أي هدى للضّالّين الصائرين إلى الهدى بعد الضلال. وحسّنه التوصّل إلى تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه، وإلى تصدير السّورة بذكر أولياء الله تعالى.
  وقوله: {أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ}[يونس: الآية ١٨] أي: بما لا ثبوت له؛ ولا علم الله متعلق بثبوته؛ نفيا للملزوم بنفي اللازم. وكذا قوله تعالى: {ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ}[غافر: الآية ١٨] أي: لا شفاعة ولا طاعة، على أسلوب قوله: [امرؤ القيس]
  على لاحب لا يهتدى بمناره(١)
  أي: لا منار، ولا اهتداء، وقوله: [أوس بن حجر]
  ولا ترى الضّبّ بها ينجحر(٢)
  أي: لا ضبّ، ولا انجحار.
  ومن أمثلة الإيجاز أيضا: قوله تعالى فيما يخاطب به النبيّ عليه الصلاة والسّلام: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ١٩٩}[الأعراف: الآية ١٩٩] فإنه جمع فيه مكارم الأخلاق، لأن قوله: {خُذِ الْعَفْوَ} أمر لإصلاح قوّة الشّهوة. فإن العفو ضدّ الجهل، قال
(١) عجز البيت:
إذا سافه العود الديافيّ جرجرا
والبيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ٦٦، ولسان العرب (ديف)، (سوف)، (لحف) وتهذيب اللغة ٥/ ٧٠، ١٣/ ٩٢، ١٤/ ١٩٨، وأساس البلاغة (سوف)، وتاج العروس (ديف)، (لحف)، (سوف)، وبلا نسبة في لسان العرب (نسا)، ومقاييس اللغة ٢/ ٣١٨، ومجمل اللغة ٢/ ٣٠٤.
(٢) صدر البيت:
لا تفزع الأرنب أهوالها
والبيت من السريع، وهو لابن أحمر في ديوانه ص ٦٧، وأمالي المرتضى ١/ ٢٢٩، وخزانة الأدب ١٠/ ١٩٢، وبلا نسبة في خزانة الأدب ١١/ ٣١٣، والخصائص ٣/ ١٦٥، ٣٢١.