القسم الثالث الإطناب
  أو لتكمل اللذة بالعلم به. فإن الشيء إذا حصل كمال العلم به دفعة لم يتقدّم حصول اللذة به ألم، وإذا حصل الشعور به من وجه دون وجه، تشوّفت النفس إلى العلم بالمجهول، فيحصل لها بسبب المعلوم لذّة، وبسبب حرمانها عن الباقي ألم. ثم إذا حصل لها العلم به: حصلت لها لذة أخرى، واللذة عقب الألم أقوى من اللذة التي لم يتقدمها ألم.
  أو لتفخيم الأمر وتعظيمه، كقوله تعالى: {قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ٢٥ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ٢٦}[طه: الآيتان ٢٥، ٢٦]، فإن قوله: {اشْرَحْ لِي} يفيد طلب شرح لشيء ما له، وقوله: {صَدْرِي} يفيد تفسيره وبيانه، وكذلك قوله: {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ٢٦}[طه: الآية ٢٦] والمقام مقتض للتأكيد، وللإرسال المؤذن بتلقّي المكاره والشدائد، وكقوله تعالى: {وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ ٦٦}[الحجر: الآية ٦٦] ففي إبهامه وتفسيره تفخيم للأمر، وتعظيم له.
  ومن الإيضاح بعد الإبهام: باب «نعم وبئس» على أحد القولين؛ إذ لو لم يقصد الإطناب لقيل: نعم زيد، وبئس عمرو.
  ووجه حسنه - سوى الإيضاح بعد الإبهام - أمران آخران:
  أحدهما: إبراز الكلام في معرض الاعتدال، نظرا إلى إطنابه من وجه، وإلى اختصاره من آخر. وهو حذف المبتدأ في الجواب.
  والثاني: إيهام الجمع بين المتنافيين.
  ومنه التوشيع، وهو أن يؤتى في عجز الكلام بمثنّى مفسّر باسمين أحدهما معطوف على الآخر، كما جاء في الخبر: «يشيب ابن آدم، ويشيب فيه خصلتان: الحرص، وطول الأمل»(١) وقول الشاعر: [عبد الله بن المعتز]
  سقتني في ليل شبيه بشرها ... شبيهة خدّيها بغير رقيب(٢)
  فما زلت في ليلين: شعر وظلمة ... وشمسين: من خمر، ووجه حبيب
  وقول البحتريّ:
  لما مشين بذي الأراك تشابهت ... أعطاف قضبان به، وقدود(٣)
(١) الحديث أخرجه أحمد في المسند ٣/ ١١٥، ١١٩، ١٦٩، ١٩٢، ٢٥٦، ٢٧٥، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١٠/ ٢٣٩، والعجلوني في كشف الخفاء ٢/ ٥٤٦.
(٢) البيتان لعبد الله بن المعتز في حاشية الدسوقي ٢/ ٧٤٣، والأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم ٢/ ٨٥.
(٣) الأبيات من الكامل، وهي في ديوان البحتري ص ١٢٦.