الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القسم الثالث الإطناب

صفحة 154 - الجزء 1

  كزيادة المبالغة في قول الخنساء:

  وإن صخرا لتأتمّ الهداة به ... كأنّه علم في رأسه نار⁣(⁣١)

  لم ترض أن تشبّهه بالعلم الذي هو الجبل المرتفع المعروف بالهداية حتى جعلت في رأسه نارا، وقول ذي الرمة:

  قف العيس في أطلال ميّة، واسأل ... رسوما كأخلاق الرّداء المسلسل⁣(⁣٢)

  أظن الذي يجدي عليك سؤالها ... دموعا كتبذير الجمان المفصّل

  وكتحقيق التشبيه في قول امرئ القيس:

  كأنّ عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا: الجزع الذي لم يثقّب⁣(⁣٣)

  فإنه لما أتى على التشبيه قبل ذكر القافية، واحتاج إليها، جاء بزيادة حسنة في قوله: «لم يثقّب» لأن الجزع إذا كان غير مثقوب كان أشبه بالعيون.

  ومثله قول زهير: [بن أبي سلمى]

  كأن فتات العهن في كل منزل ... نزلن به: حبّ الفنا لم يحطّم⁣(⁣٤)

  فإن حبّ الفنا أحمر الظاهر أبيض الباطن؛ فهو لا يشبه الصوف الأحمر إلا ما لم يحطّم.

  وكذا قول امرئ القيس:

  حملت ردينيّا كأن سنانه ... سنا لهب لم يتّصل بدخان⁣(⁣٥)

  كما سيأتي.

  وقيل: لا يختص بالنظم، ومثل له بقوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ٢١}⁣[يس: الآية ٢١].

  وإما بالتذليل، وهو تعقيب الجملة بجملة تشتمل على معناها للتوكيد.


(١) البيت من البسيط، وهو في ديوان الخنساء ص ٣٨٦، وجمهرة اللغة ص ٩٤٨، وتاج العروس (صخر)، ومقاييس اللغة ٤/ ١٠٩.

(٢) البيتان من الطويل، وهما في ديوان ذي الرمة ص ١٤٥١، وأساس البلاغة (سلسل).

(٣) البيت من الطويل، وهو في ديوان امرئ القيس ص ٥٣، ولسان العرب (جزع)، وأساس البلاغة (جزع)، وكتاب العين ١/ ٢١٦، وتاج العروس (جزع).

(٤) البيت من الطويل، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ١٢، ولسان العرب (فتت)، (فنى)، والمقاصد النحوية ٣/ ١٩٤، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١/ ٢٥٩.

(٥) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في الإشارات والتنبيهات ص ١٩٦، ولم أجده في ديوانه.