القسم الثالث الإطناب
  كزيادة المبالغة في قول الخنساء:
  وإن صخرا لتأتمّ الهداة به ... كأنّه علم في رأسه نار(١)
  لم ترض أن تشبّهه بالعلم الذي هو الجبل المرتفع المعروف بالهداية حتى جعلت في رأسه نارا، وقول ذي الرمة:
  قف العيس في أطلال ميّة، واسأل ... رسوما كأخلاق الرّداء المسلسل(٢)
  أظن الذي يجدي عليك سؤالها ... دموعا كتبذير الجمان المفصّل
  وكتحقيق التشبيه في قول امرئ القيس:
  كأنّ عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا: الجزع الذي لم يثقّب(٣)
  فإنه لما أتى على التشبيه قبل ذكر القافية، واحتاج إليها، جاء بزيادة حسنة في قوله: «لم يثقّب» لأن الجزع إذا كان غير مثقوب كان أشبه بالعيون.
  ومثله قول زهير: [بن أبي سلمى]
  كأن فتات العهن في كل منزل ... نزلن به: حبّ الفنا لم يحطّم(٤)
  فإن حبّ الفنا أحمر الظاهر أبيض الباطن؛ فهو لا يشبه الصوف الأحمر إلا ما لم يحطّم.
  وكذا قول امرئ القيس:
  حملت ردينيّا كأن سنانه ... سنا لهب لم يتّصل بدخان(٥)
  كما سيأتي.
  وقيل: لا يختص بالنظم، ومثل له بقوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ٢١}[يس: الآية ٢١].
  وإما بالتذليل، وهو تعقيب الجملة بجملة تشتمل على معناها للتوكيد.
(١) البيت من البسيط، وهو في ديوان الخنساء ص ٣٨٦، وجمهرة اللغة ص ٩٤٨، وتاج العروس (صخر)، ومقاييس اللغة ٤/ ١٠٩.
(٢) البيتان من الطويل، وهما في ديوان ذي الرمة ص ١٤٥١، وأساس البلاغة (سلسل).
(٣) البيت من الطويل، وهو في ديوان امرئ القيس ص ٥٣، ولسان العرب (جزع)، وأساس البلاغة (جزع)، وكتاب العين ١/ ٢١٦، وتاج العروس (جزع).
(٤) البيت من الطويل، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ١٢، ولسان العرب (فتت)، (فنى)، والمقاصد النحوية ٣/ ١٩٤، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١/ ٢٥٩.
(٥) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في الإشارات والتنبيهات ص ١٩٦، ولم أجده في ديوانه.