القسم الثالث الإطناب
  وقلّتهم؛ فأزال هذا الوهم بوصفهم بالانتصار من قاتلهم، وكذا قول أبي الطيب:
  أشدّ من الرّياح الهوج بطشا ... وأسرع في النّدى منها هبوبا(١)
  فإنه لو اقتصر على وصفه بشدة البطش؛ لأوهم ذلك أنه عنف كله، ولا لطف عنده.
  فأزال هذا الوهم بوصفه بالسماحة، ولم يتجاوز في ذلك كلّه صفة الريح التي شبّهه بها، وقوله: إنه أسرع في الندى منها هبوبا، كأنه من قول ابن عباس ®: «كان رسول الله ÷ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان كالريح المرسلة»(٢).
  وإما بالتتميم، وهو: أن يؤتي في كلام لا يوهم خلاف المقصود بفضلة تفيد نكتة، كالمبالغة في قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ}[الإنسان: الآية ٨] أي: مع حبّه، والضمير للطعام، أي مع اشتهائه، والحاجة إليه، ونحوه: {وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ}[البقرة: الآية ١٧٧]، وكذا: {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران: الآية ٩٢] وعن فضيل بن عياض: «على حب الله» فلا يكون مما نحن فيه.
  وفي قول الشاعر:
  إنّي على ما ترين من كبري ... أعرف من أين تؤكل الكتف(٣)
  وفي قول زهير:
  من يلق يوما - على علّاته - هرما ... يلق السماحة منه والنّدى خلقا(٤)
  وإما بالاعتراض، وهو أن يؤتى في أثناء الكلام، أو بين كلامين متّصلين معنى، بجملة أو أكثر لا محلّ لها من الإعراب لنكتة سوى ما ذكر في تعريف التكميل.
  كالتنزيه والتعظيم في قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ}[النّحل: الآية ٥٧] سبحانه {وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ}[النّحل: الآية ٥٧].
  والدعاء في قول أبي الطّيّب:
  وتحتقر الدنيا احتقار مجرّب ... يرى كلّ ما فيها - وحاشاك - فانيا(٥)
(١) البيت من الوافر، وهو في ديوان المتنبي ١/ ٢٤٠،
(٢) الحديث أخرجه البخاري في الصوم باب ٧، والمناقب باب ٢٣، والأدب باب ٣٩، ومسلم في الفضائل حديث ٤٨، ٥٠.
(٣) البيت من المنسرح، وهو لقيس بن الخطيم في ديوانه ص ٢٣٩.
(٤) البيت من البسيط، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٥٣، والإنصاف ١/ ٦٨، وخزانة الأدب ٢/ ٣٣٥، وسر صناعة الإعراب ٢/ ٨٣١، وبلا نسبة في المقتضب ٤/ ١٠٣.
(٥) البيت من الطويل، وهو في ديوان المتنبي ٢/ ٢٠٥.