القسم الثالث الإطناب
  التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ٢٢٢ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ}[البقرة: الآيتان ٢٢٢، ٢٢٣]، فإن قوله: {نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} بيان لقوله: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ}[البقرة: الآية ٢٢٢] يعني: أن المأتي الذي أمركم به هو مكان الحرث، دلالة على أن الغرض الأصليّ في الإتيان: هو طلب النّسل، لا قضاء الشهوة، فلا تأتوهنّ إلا من حيث يتأتى فيه الغرض، وهو مما جاء في أكثر من جملة أيضا.
  ونحوه في كونه أكثر من جملة، قوله تعالى: {قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ}[آل عمران: الآية ٣٦]، فإن قوله: {وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى}[آل عمران: الآية ٣٦] ليس من قول أمّ مريم.
  وكذا قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ ٤٤ وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً ٤٥ مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ}[النّساء: الآيات ٤٤ - ٤٦] إن جعل «من الذين» بيانا ل {الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ}[آل عمران: الآية ٢٣] لأنهم يهود ونصارى أو لـ «أعداءكم» فإنه على الأول يكون قوله: {وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً ٤٥}[النّساء: الآية ٤٥] اعتراضا، وعلى الثاني يكون {وَكَفى بِاللهِ} ... {وَكَفى بِاللهِ} ...» اعتراضا.
  ويجوز أن يكون: «من الذين» صلة لـ «نصيرا» أي: ينصركم من الذين هادوا، كقوله: {وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا}[الأنبياء: الآية ٧٧] وأن يكون كلاما مبتدأ على أن «يحرّفون» صفة مبتدأ محذوف تقديره: «من الذين هادوا قوم يحرّفون» كقوله: [تميم بن أبي مقبل]
  وما الدهر إلا تارتان؛ فمنهما ... أموت، وأخرى أبتغي العيش أكدح(١)
  وقد علم مما ذكرنا: أن الاعتراض كما يأتي بغير واو ولا فاء؛ قد يأتي بأحدهما.
  ووجه حسن الاعتراض على الإطلاق: حسن الإفادة مع أن مجيئه مجيء ما لا معوّل عليه في الإفادة، فيكون مثله مثل الحسنة تأتيك من حيث لا ترتقبها.
  ومن الناس من لا يقيّد فائدة الاعتراض بما ذكرناه، بل يجوّز أن تكون دفع توهّم
(١) البيت من الطويل، وهو لتميم بن مقبل في ديوانه ص ٢٤، وحماسة البحتري ص ١٢٣، والحيوان ٣/ ٤٨، وخزانة الأدب ٥/ ٥٥، والدرر ٦/ ١٨، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ١١٤، وشرح شواهد الإيضاح ص ٦٣٤، والكتاب ٢/ ٣٤٦، ولسان العرب (كدح)، ولعجير السلولي في سمط اللآلي ص ٢٠٥، وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص ٥٤٧، ولسان العرب (تور)، والمحتسب ١/ ١١٢، والمقتضب ٢/ ١٣٨، وهمع الهوامع ٢/ ١٢٠.