تقسيم آخر باعتبار آخر
  قال الجاحظ في أثناء فصل يذكر فيه ما في الفكر من الفضيلة: وأين تقع لذّة البهيمة بالعلوفة، ولذّة السّبع بلطع الدّم وأكل اللحم، من سرور الظّفر بالأعداء، ومن انفتاح باب العلم بعد إدمان فرعه؟
  وقد يتصرف في القريب المبتذل بما يخرجه من الابتذال إلى الغرابة، وهو على وجوه: منها أن يكون كقوله: [أبو الطيب المتنبي]
  لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا ... إلّا بوجه ليس فيه حياء(١)
  وقوله: [أبو تمام]
  فردّت علينا الشمس والليل راغم ... بشمس لهم من جانب الخدر تطلع(٢)
  فو الله ما أدري؟ أأحلام نائم ... ألمّت بنا أم كان في الرّكب يوشع؟
  فإن تشبيه وجوه الحسان بالشمس مبتذل، لكن كل واحد من حديث الحياء في الأول، والتشكيك مع ذكر يوشع # في الثاني؛ أخرجه من الابتذال إلى الغرابة. وشبيه بالأول قول الآخر: [أبو نواس، الحسن بن هانئ]
  إن السحاب لتستحيي إذا نظرت ... إلى نداك فقاسته بما فيها(٣)
  ومنها أن يكون كقوله: [رشيد الدين الوطواط]
  عزماته مثل النّجوم ثواقبا ... لو لم يكن للثّاقبات أفول(٤)
  وقوله: [أبو تمام]
  مها الوحش، إلّا أنّ هاتا أوانس ... قنا الخطّ، إلّا أنّ تلك ذوابل(٥)
  وقوله: [بديع الزمان الهمذاني، أحمد بن الحسين]
  يكاد يحكيك صوب الغيث منسكبا ... لو كان طلق المحيّا يمطر الذّهبا(٦)
  والبدر لو لم يغب، والشمس لو نطقت ... والأسد لو لم تصد والبحر لو عذبا
(١) البيت من الكامل، وهو في ديوان المتنبي ١/ ١٧٤.
(٢) البيتان من الطويل، وهما في ديوان أبي تمام ٢/ ٣١٩، والإشارات والتنبيهات ص ١٧٨.
(٣) البيت بلا نسبة في الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم ٢/ ٢١١.
(٤) البيت من الكامل، وهو لرشيد الدين الوطواط المتوفى سنة ٥٧٣ هـ، في حدائق السحر ص ١٤٢، وبلا نسبة في الإشارات والتنبيهات ص ١٧٨.
(٥) البيت من الطويل، وهو لأبي تمام في ديوانه ٣/ ١١٦.
(٦) البيتان من البسيط، وهما لبديع الزمان الهمذاني (أحمد بن الحسين بن يحيى) صاحب المقامات المعروفة في يتيمة الدهر للثعالبي ٤/ ٢٩٣.