الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

الاستعارة

صفحة 216 - الجزء 1

  على ما يدّعي أنه مستعار له؛ إما باستعماله فيه، أو بإثبات معناه له، والاسم في مثل هذا غير جار على المشبه بوجه.

  ولأنه يجيء على هذه الطريقة ما لا يتصور فيه التشبيه فيظنّ أنه استعارة كقوله تعالى: {لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ}⁣[فصّلت: الآية ٢٨] إذ ليس المعنى على تشبيه جهنّم بدار الخلد؛ إذ هي نفسها دار الخلد، وكقول الشاعر: [أعشى قيس]

  يا خير من يركب المطيّ، ولا ... يشرب كأسا بكفّ من بخلا⁣(⁣١)

  فإنه لا يتصوّر فيه التشبيه، وإنما المعنى أنه ليس ببخيل.

  ولا يسمّى تشبيها أيضا، لأن اسم المشبه به لم يجتلب فيه لإثبات التشبيه، كما سبق، وعدّه الشيخ صاحب المفتاح تشبيها، والخلاف أيضا لفظيّ.

  والدليل على أن الاستعارة مجازّ لغويّ؛ كونها موضوعة للمشبه به، لا للمشبه ولا لأمر أعم منهما، كالأسد، فإنه موضوع للسبع المخصوص، لا للرجل الشجاع، ولا للشجاع مطلقا؛ لأنه لو كان موضوعا لأحدهما لكان استعماله في الرجل الشجاع من جهة التحقيق لا من جهة التشبيه، وأيضا لو كان موضوعا للشجاع مطلقا لكان وصفا لا اسم جنس.

  وقيل: الاستعارة مجاز عقلي، بمعنى أن التصرف فيها في أمر عقلي لا لغوي لأنها لا تطلق على المشبه إلا بعد ادّعاء دخوله في جنس المشبه به؛ لأن نقل الاسم وحده لو كان استعارة لكانت الاعلام المنقولة كـ «يزيد» و «يشكر» استعارة.

  ولما كانت الاستعارة أبلغ من الحقيقة؛ لأنه لا بلاغة في إطلاق الاسم المجرد عاريا عن عناه.

  ولما صح أن يقال لمن قال: «رأيت أسدا» يعني زيدا: أنه جعله أسدا، كما لا يقال لمن سمّى ولده أسدا: إنه جعله أسدا؛ لأن «جعل» إذا تعدى إلى مفعولين؛ كان بمعنى «صيّر» فأفاد إثبات صفة للشيء فلا تقول «جعلته أميرا» إلا على معنى أنك أثبتّ له صفة الإمارة.

  وعليه قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً}⁣[الزّخرف: الآية ١٩]، المعنى أنهم أثبتوا صفة الأنوثة، واعتقدوا وجودها فيهم، وعن هذا الاعتقاد صدر عنهم


(١) البيت من المنسرح، وهو بلا نسبة في المطول شرح تلخيص مفتاح العلوم ص ١٠٢، ٦٦٤، والأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم ١/ ١٠٥.