الاستعارة
  للملائكة إطلاق اسم الإناث عليهم، لا أنهم أطلقوه من غير اعتقاد ثبوت معناه لهم؛ بدليل قوله تعالى: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ}[الزّخرف: الآية ١٩]؟.
  وإذا كان نقل الاسم تبعا لنقل المعنى كان الاسم مستعملا فيما وضع له؛ ولهذا صح التّعجّب في قول ابن العميد(١): [محمد بن الحسين]
  قامت تظلّلني من الشمس ... نفس أعزّ عليّ من نفسي(٢)
  قامت تظلّلني، ومن عجب ... شمس تظلّلني من الشمس
  والنّهي عنه في قول الآخر: [ابن طباطبا، محمد بن أحمد]
  لا تعجبوا من بلى غلالته ... قد زرّ أزراره على القمر(٣)
  وقوله: [أبو مطاع، ناصر الدولة الحمداني]
  ترى الثياب من الكتّان يلمحها ... نور من البدر أحيانا فيبليها(٤)
  فكيف تنكر أن تبلى معاجرها ... والبدر في كل وقت طالع فيها؟!
  والجواب عنه أن ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به؛ لا يخرج اللفظ عن كونه مستعملا في غير ما وضع له.
  وأما التعجّب والنهي فيما ذكر فلبناء الاستعارة على تناسي التشبيه قضاء لحق المبالغة.
  فإن قيل: إصرار المتكلم على ادّعاء الأسديّة للرجل ينافي نصبه قرينة من أن يراد به السبع المخصوص.
  قلنا: لا منافاة.
  ووجه التوفيق ما ذكره السكاكي، وهو أن تبنى دعوى الأسدية للرجل على ادّعاء أن أفراد جنس الأسد قسمان بطريق التأويل: متعارف، وهو الذي له غاية الجراءة،
(١) ابن العميد: هو محمد بن أبي عبد الله الحسين بن محمد أبو الفضل الكاتب البغدادي المعروف بابن العميد، كان وزير ركن الدولة بن بويه، توفي سنة ٣٥٩، صنف ديوان رسائله، كتاب المذهب في البلاغات. (كشف الظنون ٦/ ٤٦).
(٢) البيتان من الكامل، وهما في يتيمة الدهر للثعالبي ٣/ ١٦٠، وأسرار البلاغة ص ٣٤٥.
(٣) البيت من المنسرح، وهو لابن طباطبا (أبي الحسن محمد بن أحمد المتوفى سنة ٣٢٢ هـ) في أسرار البلاغة ص ٣٤٨، وديوان المعاني ١/ ٣٤٥.
(٤) البيتان من البسيط، وهما لأبي المطاع ناصر الدولة الحمداني في أسرار البلاغة ص ٣٤٩، ويتيمة الدهر ١/ ٧٤.