الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

الاستعارة

صفحة 218 - الجزء 1

  ونهاية قوة البطش، ومع الصورة المخصوصة، وغير متعارف، وهو الذي له تلك الجراءة، وتلك القوة، لا مع تلك الصورة، بل مع صورة أخرى، على نحو ما ارتكب المتنبي هذا الادعاء في عدّ نفسه وجماعته من جنس الجنّ، وعدّ جماله من جنس الطير، حين قال:

  نحن قوم من الجنّ في زيّ ناس ... فوق طير، لها شخوص الجمال⁣(⁣١)

  مستشهدا لدعواه هاتيك بالمخيّلات العرفية.

  وأن تخصص القرينة بنفيها المتعارف الذي سبق إلى الفهم؛ ليتعين الآخر.

  ومن البناء على هذا التنويع قوله: [عمرو بن معديكرب]

  تحيّة بينهم ضرب وجيع⁣(⁣٢)

  وقولهم «عتابك السيف» وقوله تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ ٨٨ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ٨٩}⁣[الشّعراء: الآيتان ٨٨ - ٨٩].

  ومنه قوله: [عامر بن الحارث]

  وبلدة ليس بها أنيس ... إلّا اليعافير، وإلّا العيس⁣(⁣٣)

  وإذ قد عرفت معنى الاستعارة، وأنها مجاز لغوي؛ فاعلم أن الاستعارة تفارق الكذب من وجهين:

  بناء الدعوى فيها على التأويل، ونصب القرينة على أن المراد بها خلاف ظاهرها؛ فإن الكاذب يتبرّأ من التأويل، ولا ينصب دليلا على خلاف زعمه.

  وأنها لا تدخل في الأعلام، لما سبق من أنها تعتمد إدخال المشبه في جنس المشبه به، والعلميّة تنافي الجنسيّة، وأيضا لأن العلم لا يدل إلا على تعيّن شيء من غير


(١) البيت من الخفيف، ورواية صدر البيت في ديوان المتنبي ١/ ١٦٦:

نحن ركب ملجن في زي ناس

(٢) صدر البيت:

وخيل قد دلفت لها بخيل

والبيت من الوافر، وهو لعمرو بن معديكرب في ديوانه ص ١٤٩، وخزانة الأدب ٩/ ٢٥٢، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٢٠٠، والكتاب ٣/ ٥٠، ونوادر أبي زيد ص ١٥٠، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١/ ٣٤٥، والخصائص ١/ ٣٦٨، وشرح المفصل ٢/ ٨٠، والمقتضب ٢/ ٢٠.

(٣) الرجز لجران العود في ديوانه ص ٩٧، وخزانة الأدب ١٠/ ١٥، والدرر ٣/ ١٦٢، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ١٤٠، وشرح التصريح ١/ ٣٥٣، وشرح المفصل ٢/ ١١٧، والمقاصد النحوية ٣/ ١٠٧، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢/ ٩١، والإنصاف ١/ ٢٧١.