الاستعارة
  موجودة لخلوّها مما هو ثمرتها والمقصود منها، وإذا ما خلت منه لم تستحق الشرف، كاستعارة اسم المعدوم للموجود، إذا لم تحصل منه فائدة من الفوائد المطلوبة من مثله؛ فيكون مشاركا للمعدوم في ذلك، أو اسم الموجود للمعدوم إذا كانت الآثار المطلوبة من مثله موجودة حال عدمه، فيكون مشاركا للموجود في ذلك، أو اسم الميت للحي الجاهل، لأنه عدم فائدة الحياة والمقصود بها، أعني العلم؛ فيكون مشاركا للميت في ذلك، ولذلك جعل النوم موتا؛ لأن النائم لا يشعر بما بحضرته، كما لا يشعر الميت، أو الحي العاجز لأن العجز كالجهل يحط من قدر الحي.
  ثم الضدان إن كان قابلين للشدة والضعف، كان استعارة اسم الأشد للأضعف أولى؛ فكل من كان أقل علما وأضعف قوة كان أولى بأن يستعار له اسم الميت، ولما كان الإدراك أقدم من العقل في كونه خاصة للحيوان كان الأقل علما أولى باسم الميت أو الجماد من الأقل قوة.
  وكذا في جانب الأشد، فكل من كان أكثر علما كان أولى بأن يقال له: «إنه حي» وكذا من كان أشرف علما، وعليه قوله تعالى: {أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ}[الأنعام: الآية ١٢٢] فإن العلم بوحدانية الله تعالى وما أنزله على نبيه ÷ أشرف العلوم.
  ومنها: ما استعمل في ضد معناه أو نقيضه بتنزيل التضاد أو التناقض منزلة التناسب، بوساطة تهكم أو تمليح على ما سبق في التشبيه، كقوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ}[آل عمران: الآية ٢١] ويخصّ هذا النوع باسم التهكمية أو التمليحية.
  وأما باعتبار الجامع فهي قسمان:
  أحدهما: ما يكون الجامع فيه داخلا في مفهوم الطرفين، كاستعارة الطيران للعدو، كما في قول امرأة من بني الحارث ترثي قتيلا:
  لو يشأ طار به ذو ميعة ... لاحق الآطال نهد ذو خصل(١)
  وكما جاء في الخبر: «كلما سمع هيعة طار إليها» فإن الطيران والعدو يشتركان في أمر داخل في مفهومهما، وهو قطع المسافة بسرعة، ولكن الطيران أسرع من العدو.
(١) البيت من الرمل، وهو لعلقمة الفحل في ديوانه ص ١٣٤، ولامرأة من بني الحارث في الحماسة البصرية ١/ ٢٤٣، وخزانة الأدب ١١/ ٢٩٨، والدرر ٥/ ٩٧، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١١٠٨، وشرح شواهد المغني ٢/ ٦٦٤، ولعلقمة أو لامرأة من بني الحارث في المقاصد النحوية ٢/ ٥٣٩، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١/ ٣٣٤، وتذكرة النحاة ص ٣٩، والجنى الداني ص ٢٨٧، وشرح الأشموني ٣/ ٥٨٤، ومغني اللبيب ١/ ٢٧١، وهمع الهوامع ٢/ ٦٤.