الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

الاستعارة

صفحة 222 - الجزء 1

  نثرتهم فوق الأحيدب نثرة ... كما نثرت فوق العروس الدّراهم⁣(⁣١)

  لأن النثر أن تجمع أشياء في كف أو وعاء، ثم يقع فعل تتفرق معه دفعة من غير ترتيب ونظام، وقد استعاره لما يتضمن التفرّق على الوجه المخصوص، وهو ما اتفق من تساقط المنهزمين في الحرب دفعة من غير ترتيب ونظام، ونسبه إلى الممدوح لأنه سببه.

  والثاني: ما يكون الجامع فيه غير داخل في مفهوم الطرفين، كقولك: «رأيت شمسا» وتريد إنسانا يتهلّل وجهه، فالجامع بينهما التلألؤ، وهو غير داخل في مفهومهما.

  وتنقسم باعتبار الجامع أيضا إلى عاميّة وخاصيّة.

  فالعامية المبتذلة لظهور الجامع فيها، كقولك: «رأيت أسدا، ووردت بحرا».

  والخاصية الغريبة التي لا يظفر بها إلا من ارتفع عن طبقة العامة، كما سيأتي في الاستعارات الواردة في التنزيل، كقول طفيل الغنوي:

  وجعلت كوري فوق ناجية ... يقتات شحم سنامها الرحل⁣(⁣٢)

  وموضع اللطف والغرابة منه أنه استعار الافتيات لإذهاب الرّحل شحم السّنام، مع أن الشحم مما يقتات.

  وقول ابن المعتز:

  حتى إذا ما عرف الصيد الضّار ... وأذن الصبح لنا في الإبصار⁣(⁣٣)

  ولما كان تعذّر الإبصار منعا من الليل، جعل إمكانه عند ظهور الصبح إذنا منه.

  وقول الآخر: [سوار بن المضرب]

  بعرض تنوفة للريح فيه ... نسيم لا يروع التّرب وان⁣(⁣٤)

  وقوله: [ابن المعتز]

  يناجيني الإخلاف من تحت مطله ... فتختصم الآمال واليأس في صدري⁣(⁣٥)


(١) البيت من الطويل، وهو في ديوان المتنبي ٢/ ١٤٠.

(٢) البيت من الطويل، وهو في ديوان طفيل الغنوي ص ١٠٨، ولسان العرب (قوت)، وهو بلا نسبة في تهذيب اللغة ٩/ ٢٥٤، وتاج العروس (قوت).

(٣) البيت من البسيط، وهو في دلائل الإعجاز ص ٦١.

(٤) البيت من الوافر، وهو لجحدر اليماني في لسان العرب (وني)، وتاج العروس (وني).

(٥) البيت في دلائل الإعجاز ص ٦١.