الاستعارة
  ثم الغرابة قد تكون في الشبه نفسه، كما في تشبيه هيئة العنان - في موقعه من قربوس السرج - بهيئة الثوب في موقعه من ركبة المحتبي في قول يزيد بن مسلمة بن عبد الملك يصف فرسا له بأنه مؤدّب: [يزيد بن سلمة]
  وإذا احتبى قربوسه بعنانه ... علك الشّكيم إلى انصراف الزائر(١)
  وقد تحصل بتصرّف في العامية، كما في قول الآخر:
  وسالت بأعناق المطيّ الأباطح(٢)
  أراد أنها سارت سيرا حثيثا في غاية السرعة، وكانت سرعة في لين وسلاسة حتى كأنها كانت سيولا وقعت في تلك الأباطح فجرت بها.
  ومثلها في الحسن وعلوّ الطبقة في هذه اللفظة بعينها قول ابن المعتز:
  سالت عليه شعاب الحيّ حين دعا ... أنصاره بوجوه كالدنانير(٣)
  أراد أنه مطاع في الحي، وأنهم يسرعون إلى نصرته، وأنه لا يدعوهم لخطب إلا أتوه، وكثروا عليه، وازدحموا حواليه، حتى تجدهم كالسيول، تجيء من هاهنا، وتنصب من هذا المسيل وذاك، حتى يغصّ بها الوادي ويطفح منها.
  وهذا شبه معروف ظاهر، ولكن حسن التصرف فيه أفاد اللطف والغرابة وذلك أن أسند الفعل إلى الأباطح والشعاب، دون المطيّ أو أعناقها، والأنصار أو وجوههم؛ حتى أفاد أنه امتلأت الأباطح من الإبل، والشعاب من الرجال، على ما تقدم في قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً}[مريم: الآية ٤].
  وفي كل واحد منهما شيء غير الذي في الآخر يؤكد أمر الدقة والغرابة:
  أما الذي في الأول فهو أنه أدخل الأعناق في السّير؛ فإن السرعة والبطء في سير الإبل يظهران غالبا في أعناقها على ما مر.
(١) البيت من الكامل، وهو بلا نسبة في دلائل الإعجاز ص ٥٩، ٧٨.
(٢) صدر البيت:
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا
والبيت من الطويل، وهو لكثير عزة في ملحق ديوانه ص ٥٢٥، وزهر الآداب ص ٣٤٩، وليزيد بن الطثرية في ديوانه ص ٦٤، والشعر والشعراء ص ٨، وبلا نسبة في لسان العرب (طرف)، وأساس البلاغة (سيل)، وتاج العروس (طرف)، ومعجم البلدان (منى).
(٣) البيت من الكامل، وهو لابن المعتز في الإشارات والتشبيهات ص ١٩٦، وبلا نسبة في دلائل الإعجاز ص ٥٩، ٧٨.