الاستعارة
  أحدها: المطلقة، وهي التي لم تقترن بصفة ولا تفريع كلام، والمراد المعنوية لا النعت.
  وثانيها: المجردة، وهي التي قرنت بما يلائم المستعار له، كقول كثيّر:
  غمر الرّداء، إذا تبسّم ضاحكا ... غلقت لضحكته رقاب المال(١)
  فإنه استعار الرداء للمعروف؛ لأنه يصون عرض صاحبه كما يصون الرداء ما يلقى عليه، ووصفه بالغمر الذي وصف المعروف لا الرداء؛ فنظر إلى المستعار له.
  وعليه قوله تعالى: {فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}[النّحل: الآية ١١٢] حيث قال: «أذاقها» ولم يقل: «كساها» فإن المراد بالإذاقة إصابتهم بما استعير له اللباس، كأنه قال: «فأصابها الله بلباس الجوع والخوف».
  قال الزمخشري: الإذاقة جرت عندهم مجرى الحقيقة، لشيوعها في البلايا والشدائد وما يمسّ الناس منها؛ فيقولون: ذاق فلان البؤس والضر، وأذاقه العذاب، شبّه ما يدرك من أثر الضر والأكم بما يدرك من طعم المر والبشع.
  فإن قيل: الترشيح أبلغ من التجريد، فهلا قيل: فكساها الله لباس الجوع والخوف؛ قلنا: لأن الإدراك بالذوق يستلزم الإدراك باللمس من غير عكس؛ فكان في الإذاقة إشعار بشدة الإصابة، بخلاف الكسوة.
  فإن قيل: لم لم يقل: فأذاقها الله طعم الجوع والخوف؟ قلنا: لأن الطعم وإن لاءم الإذاقة فهو مفوّت لما يفيده لفظ اللباس من بيان أن الجوع والخوف عمّ أثرهما جميع البدن عموم الملابس.
  وثالثها: المرشحة، وهي التي قرنت بما يلائم المستعار منه، كقوله:
  ينازعني ردائي عبد عمرو ... رويدك يا أخا عمرو بن بكر(٢)
  لي الشّطر الذي ملكت يميني ... ودونك؛ فاعتجر منه بشطر
  إنه استعار الرداء للسيف لنحو ما سبق، ووصفه بالاعتجار الذي هو وصف الرداء؛ فنظر إلى المستعار منه.
  وعليه قوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ}[البقرة: الآية ١٦] فإنه استعار الاشتراء للاختيار، وقفّاه بالربح والتجارة اللذين هما من متعلقات الاشتراء؛ فنظر إلى المستعار منه.
(١) البيت من الكامل، وهو في ديوان كثير عزة ص ٢٨٨.
(٢) البيتان من الوافر، والبيت الأول بلا نسبة في لسان العرب (ردى).