الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

الاستعارة

صفحة 228 - الجزء 1

  أحدها: المطلقة، وهي التي لم تقترن بصفة ولا تفريع كلام، والمراد المعنوية لا النعت.

  وثانيها: المجردة، وهي التي قرنت بما يلائم المستعار له، كقول كثيّر:

  غمر الرّداء، إذا تبسّم ضاحكا ... غلقت لضحكته رقاب المال⁣(⁣١)

  فإنه استعار الرداء للمعروف؛ لأنه يصون عرض صاحبه كما يصون الرداء ما يلقى عليه، ووصفه بالغمر الذي وصف المعروف لا الرداء؛ فنظر إلى المستعار له.

  وعليه قوله تعالى: {فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}⁣[النّحل: الآية ١١٢] حيث قال: «أذاقها» ولم يقل: «كساها» فإن المراد بالإذاقة إصابتهم بما استعير له اللباس، كأنه قال: «فأصابها الله بلباس الجوع والخوف».

  قال الزمخشري: الإذاقة جرت عندهم مجرى الحقيقة، لشيوعها في البلايا والشدائد وما يمسّ الناس منها؛ فيقولون: ذاق فلان البؤس والضر، وأذاقه العذاب، شبّه ما يدرك من أثر الضر والأكم بما يدرك من طعم المر والبشع.

  فإن قيل: الترشيح أبلغ من التجريد، فهلا قيل: فكساها الله لباس الجوع والخوف؛ قلنا: لأن الإدراك بالذوق يستلزم الإدراك باللمس من غير عكس؛ فكان في الإذاقة إشعار بشدة الإصابة، بخلاف الكسوة.

  فإن قيل: لم لم يقل: فأذاقها الله طعم الجوع والخوف؟ قلنا: لأن الطعم وإن لاءم الإذاقة فهو مفوّت لما يفيده لفظ اللباس من بيان أن الجوع والخوف عمّ أثرهما جميع البدن عموم الملابس.

  وثالثها: المرشحة، وهي التي قرنت بما يلائم المستعار منه، كقوله:

  ينازعني ردائي عبد عمرو ... رويدك يا أخا عمرو بن بكر⁣(⁣٢)

  لي الشّطر الذي ملكت يميني ... ودونك؛ فاعتجر منه بشطر

  إنه استعار الرداء للسيف لنحو ما سبق، ووصفه بالاعتجار الذي هو وصف الرداء؛ فنظر إلى المستعار منه.

  وعليه قوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ}⁣[البقرة: الآية ١٦] فإنه استعار الاشتراء للاختيار، وقفّاه بالربح والتجارة اللذين هما من متعلقات الاشتراء؛ فنظر إلى المستعار منه.


(١) البيت من الكامل، وهو في ديوان كثير عزة ص ٢٨٨.

(٢) البيتان من الوافر، والبيت الأول بلا نسبة في لسان العرب (ردى).