الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

تقسيم السكاكي للبلاغة

صفحة 251 - الجزء 1

تقسيم السكاكي للبلاغة

  وذكر السكاكي بعد الفراغ منه تفسير البلاغة بما نقلناه عنه في صدر الكتاب ثم قسّم الفصاحة إلى معنوية ولفظية.

  وفسّر المعنوية بخلوص المعنى عن التعقيد، وعنى بالتعقيد اللفظي على ما سبق تفسيره.

  وفسّر اللفظية بأن تكون الكلمة عربية أصيلة.

  وقال: وعلامة ذلك أن تكون على ألسنة الفصحاء من العرب الموثوق بعربيتهم أدور، واستعمالهم لها أكثر، لا مما أحدثه المولّدون، ولا مما أخطأت فيه العامة، وأن تكون أجرى على قوانين اللغة، وأن تكون سليمة عن التنافر؛ فجعل الفصاحة غير لازمة للبلاغة، وحصر مرجع البلاغة في الفنّين، ولم يجعل الفصاحة مرجعا لشيء منهما.

  ثم قال: وإذا وقفت على البلاغة والفصاحة المعنوية واللفظية، فأنا أذكر على سبيل الأنموذج آية أكشف لك فيها عن وجوه البلاغة والفصاحة ما عسى يسترها عنك، وذكر ما أورده الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٤٤}⁣[هود: الآية ٤٤] وزاد عليه نكتا لا بأس بها، فرأيت أو أورد ما ذكره جاريا على اصطلاحه في معنى البلاغة والفصاحة.

  قال:

  أما النظر فيها من جهة علم البيان، فهو أنه تعالى لما أراد أن يبيّن معنى: أردنا أن نردّ ما انفجر من الأرض إلى بطنها فارتدّ، وأن نقطع طوفان السماء فانقطع، وأن يغيض الماء النازل من السماء فغاض، وأن يقضى أمر نوح - وهو إنجاز ما كنا وعدناه من إغراق قومه - فقضي، وأن نسوّي السفينة على الجوديّ فاستوت، وأبقينا الظّلمة غرقى، بنى الكلام على تشبيه المراد منه بالمأمور الذي لا يتأتّى منه - لكمال هيبته - العصيان