الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

تقسيم السكاكي للبلاغة

صفحة 297 - الجزء 1

  وشرط حسن السجع اختلاف قرينتيه في المعنى كما مر، لا كقول ابن عباد في مهزومين: «طاروا واقين بظهورهم صدورهم، وبأصلابهم نحورهم»، قيل: وأحسن السجع ما تساوت قرائنه، كقوله تعالى: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ٢٨ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ٢٩ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ٣٠}⁣[الواقعة: الآيات ٢٨ - ٣٠]، ثم ما طالت قرينته الثانية، كقوله: {وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ١ ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى ٢}⁣[النّجم: الآيتان ١، ٢] أو الثالثة، كقوله تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ٣٠ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ٣١}⁣[الحاقّة: الآيتان ٣٠، ٣١]، وقول أبي الفضل الميكالي: «وله الأمر المطاع والشّرف اليفاع، والعرض المصون، والمال المضاع».

  وقد اجتمعا في قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ ١ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ٢ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ٣}⁣[العصر: الآيات ١ - ٣].

  ولا يحسن أن تولى قرينة قرينة أقصر منها كثيرا؛ لأن السجع إذا استوفى أمده من الأولى لطولها، ثم جاءت الثانية أقصر منها كثيرا، يكون كالشيء المبتور ويبقى السامع كمن يريد الانتهاء إلى غاية فيعثر دونها. والذوق يشهد بذلك، ويقضي بصحته.

  ثم السجع، إما قصير، كقوله تعالى: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً ١ فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً ٢}⁣[المرسلات: الآيتان ١ - ٢].

  أو طويل، كقوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ٤٣ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ٤٤}⁣[الأنفال: الآيتان ٤٣ - ٤٤].

  أو متوسط، كقوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ١ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ٢}⁣[القمر: الآيتان ١ - ٢].

  ومن لطيف السجع قول البديع الهمذاني⁣(⁣١) من كتاب له إلى ابن فريقون: «كتابي والبحر وإن لم أره؛ فقد سمعت خبره، والليث وإن لم ألقه؛ تصورت خلقه، والملك العادل وإن لم أكن لقيته، قد لقيني صيته، ومن رأى من السيف أثره، فقد رأى أكثره».

  واعلم أن فواصل الأسجاع موضوعة على أن تكون ساكنة الأعجاز، موقوفا عليها؛ لأن الغرض أن يزاوج بينها، ولا يتم ذلك في كل صورة إلا بالوقف، ألا ترى أنك لو


(١) هو بديع الزمان الهمذاني، أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد، أبو الفضل الحافظ، سكن خراسان ومات بهراة سنة ٣٩٨ هـ، من تصانيفه: رسائل، مشهورة، المقامات. (كشف الظنون ٥/ ٦٩).