الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

تقسيم السكاكي للبلاغة

صفحة 298 - الجزء 1

  وصلت قولهم: «ما أبعد ما فات، وما أقرب ما هو آت» لم يكن بدّ من إجراء كل من الفاصلتين على ما يقتضيه حكم الإعراب، فيفوت الغرض من السجع؟ وإذا رأيتهم يخرجون الكلم عن أوضاعها للازدواج في قولهم: «إني لآتيه بالغدايا والعشايا» أي: بالغدوات؛ فما ظنّك بهم في ذلك؟

  وقيل: إنه لا يقال: في القرآن أسجاع، وإنما يقال: فواصل.

  وقيل: السجع غير مختص بالنثر، ومثاله من الشعر قول أبي تمام:

  تجلّى به رشدي، وأثرت به يدي ... وفاض به ثمدي، وأورى به زندي⁣(⁣١)

  وكذا قول الخنساء:

  حامي الحقيقة، محمود الخليقة ... مهديّ الطريقة، نفّاع، وضرّار⁣(⁣٢)

  وكذا قول الآخر:

  ومكارم أوليتها متبرّعا ... وجرائم ألغيتها متورّعا⁣(⁣٣)

  وهو ظاهر التكلف، وهذا القائل لا يشترط التقفية في العروض والضرب، كقوله: [ناصر بن عبد السيد المطرزي]

  وزند ندى فواضله وريّ ... وزند ربى فضائله نضير⁣(⁣٤)

  ومن السجع على هذا القول ما يسمى التشطير، وهو أن يجعل كل من شطري البيت سجعة مخالفة لأختها، كقول أبي تمام:

  تدبير معتصم بالله، منتقم ... لله، مرتغب في الله، مرتقب⁣(⁣٥)

  ومنه ما يسمى التصريع، وهو جعل العروض مقفّاة تقفية الضرب، كقول أبي فراس: [الحمداني]

  بأطراف المثقّفة العوالي ... تفرّدنا بأوساط المعالي⁣(⁣٦)


(١) البيت من الطويل، وهو في ديوان أبي تمام ٢/ ٦٦.

(٢) البيت من البسيط، وهو في ديوان الخنساء ص ٧٠.

(٣) البيت من الكامل، وهو بلا نسبة في الإشارات والتنبيهات ص ٢٧٣.

(٤) البيت من الوافر، وهو لأبي الفتح المطرزي (ناصر بن عبد السيد) في وفيات الأعيان ٥/ ٢٧، ونهاية الأرب ٧/ ١٠٥.

(٥) البيت من البسيط، وهو في ديوان أبي تمام ١/ ٥٨.

(٦) البيت من الوافر، وهو في شرح ديوان أبي فراس الحمداني ص ١٣٤.