الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القول في أحوال متعلقات الفعل

صفحة 93 - الجزء 1

  وأنتم من أهل العلم والمعرفة، ثم ما أنتم عليه في أمر ديانتكم - من جعل الأصنام لله أندادا - غاية الجهل.

  ومما عدّ السكاكي الحذف فيه لمجرد الاختصار قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ ٢٣ فَسَقى لَهُما}⁣[القصص: الآيتان ٢٣، ٢٤] والأولى أن يجعل لإثبات المعنى في نفسه للشيء على الإطلاق كما مر، وهو ظاهر قول الزمخشري؛ فإنه قال: ترك المفعول لأن الغرض هو الفعل لا المفعول، ألا ترى أنه إنما رحمهما لأنهما كانتا على الذّياد وهم على السّقي، ولم يرحمهما لأن مذودهما غنم ومسقيّهم إبل مثلا؟ وكذلك قولهما: {لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ}⁣[القصص: الآية ٢٣] المقصود منه: السّقي لا المسقيّ.

  واعلم أنه قد يشتبه الحال في أمر الحذف وعدمه لعدم تحصيل معنى الفعل، كما في قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى}⁣[الإسراء: الآية ١١٠]؛ فإنه يظن أن الدعاء فيه بمعنى النداء؛ فلا يقدّر في الكلام محذوف.

  وليس بمعناه، لأن لو كان بمعناه لزم: إما الإشراك، أو عطف الشيء على نفسه؛ لأنه إن كان مسمّى الآخر لزم الأول، وإن كان مسمّاهما واحد لزم الثاني، وكلاهما باطل، تعالى كلام الله ø على ذلك.

  فالدعاء في الآية بمعنى التسمية التي تتعدى إلى مفعولين أي: سمّوه الله، أو الرحمن، أيّا ما تسمّوه فله الأسماء الحسنى، كما يقال: «فلان يدعى الأمير» أي: يسمّى الأمير.

  وكما في قراءة من قرأ: «وقالت اليهود: عزير بن الله» بغير تنوين، على القول بأن سقوط التنوين لكون الابن صفة واقعة بين علمين، كما في قولنا: زيد بن عمرو قائم؛ فإنه قد يظن أن فعل القول فيه لحكاية الجملة، كما هو أصله، فقيل: تقدير الكلام: عزير ابن الله معبودنا. وهذا باطل، لأن التصديق والتكذيب إنما ينصرفان إلى الإسناد، لا إلى وصف ما يقع في الكلام موصوفا بصفة، كما إذا حكيت عن إنسان أنه قال: زيد بن عمرو سيّد، ثم كذبته فيه؛ لم يكن تكذيبك أن يكون زيد بن عمرو، لكن أن يكون زيد سيدا، فلو كان التقدير ما ذكر لكان الإنكار راجعا إلى أنه معبودهم، وفيه تقدير أن عزيرا ابن الله - تعالى الله عن ذلك - فالقول في الآية بمعنى الذّكر، لأن الغرض الدلالة على أن اليهود قد بلغوا في الرسوخ في الجهل والشّرك إلى أنهم كانوا يذكرون عزيرا هذا