خمسون خطبة للجمع والأعياد،

لا يوجد (معاصر)

[في الإستقامة]

صفحة 144 - الجزء 1

الخطبة الأولى

[في الإستقامة]

  

  الحمد لله الذي حدا الأوهام إلى معرفته بواضحات الدلائل، وغمر القلوب بطاعته بداعيات الخواطر؛ واستشهد على توحيده بإحداث الأعراض والجواهر، فدل خلقه بما أراهم من معجزات صنعه على ربوبيته، فعرفه العارفون بلا معاينة عاينوه، وأخلص له المخلصون بلا مثال في قلوبهم مثلوه، وأيقن به الموقنون بلا تشبيه منهم له بما سواه إنه حميد مجيد.

  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المبتدع للأشياء من غير مثال امتثله، ولا صورة احتذى عليها فيكون متكلفاً، المرتفع عن أشباه خلقه، الأول الواحد الذي شهدت له الأشياء بالوحدانية، وعلى أنفسها بالعجز والذلة، فنفت بذلك عن خالقها ما يجري عليها، ودلت على أنه غير موصوف بصفاتها، فسبحان من لا يلحقه نقص، ومن ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

  وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خاتم النبيين، والمؤدي لما أمره به رب العالمين، صلى الله علي وعلى أهل بيته الطيبين، حملة العلم وقرناء الكتاب وتراجمته.

  أما بعد: فإن الله ø رسم للإنسان منهجاً يسير عليه وخطة يلتزمها في سلوكه مع الله ومع غيره، وهذا المنهج يتلخص في صحة العقيدة من الإيمان بالغيب كله، والإلتزام بهذا المنهج وهذه الخطة الإلهية هو المعبر عنها بالإستقامة، وقد أشار الله سبحانه إلى هذا في قوله الكريم: {هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ