خمسون خطبة للجمع والأعياد،

لا يوجد (معاصر)

[في ميلاد الرسول والحث على طاعته]

صفحة 180 - الجزء 1

  فإن كانت الرحمة بداية هينة قد نالت من الله هذا الرضا. فما بالك من أتى بها ورق للبشر وخفف آلامهم. وفرج كرباتهم، فقد كانت الرحمة هي الدعامة الأولى في عظمته ÷ فقد بذل جهوداً عظيمة في هداية الحائرين والأخذ بأيديهم إلى طريق النجاة. فإذا أبوا إلا البقاء على جاهليتهم ملكه الحزن الشديد. وقد نصحه الله بالتخفيف من هذا الشعور الغامر فقال عزمن قائل: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى ءَاثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}⁣[الكهف: ٦]، وقال سبحانه: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ٣ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ٤}⁣[الشعراء] يعني أنه لا ينبغي أن يقتل الحزن قلبك لمصير المعاندين، فلو نشاء لأقسرناهم على العبادة والإيمان.

  وكل من تتبع مراحل الوحي لا يسعه إلا أن يملأ فؤاده حباً لمحمد ÷ وتقديراً للعبء الذي تحمله لوجه الله ومصلحة الناس كافة، فلا غرابة إذا انطوت القلوب على حب محمد ÷ حباً لم يعرف مثله البشر.

  والحق أن حبه ÷ ركن في الإيمان وآية على صدقه. وكلما ازداد هذا الحب في المسلم ازداد تقرباً إلى الله، وازداد مرضاة لله واستكثر من طاعته.

  إن العالم لم يعرف من أوله إلى آخره بشراً مصفى المعدن، زكي السيرة، بهي الأخلاق، صلب الجهاد، صباراً على الشدائد، فانياً في ربه شديد التعلق به، دائم الذكر له، مثلما عُرفت تلك الشمائل في النبي العربي محمد ÷، ولم يعرف العالم إنساناً شق طريق الكمال شقاً، ومهد للناس تمهيداً، ودعاهم إليه أحر دعوة. وشرح معالمه لهم أرق شرح، وتحمل في ذات الله ما لم تتحمله ذات الإنسانية ... ! مثلما