[خطبة في الإيمان]
  عجباً لقوم أعرضوا عن الله، وتنكبوا طريقه المستقيم، ونسوا عظمته وكبرياءه وقدرته {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ١٢٤ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ١٢٥ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ١٢٦ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ١٢٧}[طه: ١٢٧]، وعجباً لقوم يتقربون إلى عبيد مملوكين مثلهم، يتقربون إليهم بفعل ما يحبون ويشتهون، وإن أغضبوا بذلك ربهم، واستوجبوا حرمان ثوابه، وشديد عقابه، يطلبون من وراء ذلك عرضاً من عروض الدنيا، {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ}[المائدة: ٨٠].
  أيها الإخوة المسلمون: عظموا ربكم ووقروه واتقوه فإن أخذه أليم شديد {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ١٣ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ١٤ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا ١٥ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ١٦ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ١٧ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ١٨}[نوح: ١٨]، إن من علامة الإيمان وَجَلُ القلوب عند ذكر خالقها، فمن خشع قلبه، وارتعدت فرائصه، وملكت عظمةُ خالقِه قلبَه، فأولئك من الإيمان بمكان، أما من يمر بسمعه ذكر جلال الله وعظمته، فلا تتغير لهم حال، ولا تتحرك منهم نفس، ولا يخشع لهم قلب، فأولئك الإيمان بعيد من قلوبهم، لم يُقَّدّرُوا الله حق قدره، ولم يعرفوا مدى سلطانه وبطشه، إذاً فالمؤمن الحق من يعتمد على خالقه في نيل حاجته، ومن يُقِم الصلاة بأدب وخشوع وتذلل وخضوع {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ٢ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ