خمسون خطبة للجمع والأعياد،

لا يوجد (معاصر)

[القيم الأخلاقية]

صفحة 53 - الجزء 1

  والصدقات، والإحسان، وحماية الضعفاء، وما إلى ذلك من الأنظمة الإسلامية التي جاءت وقامت لبناء مجتمع متكامل متكافيء، ولم يترك هذه التشريعات تعمل وحدها مجردة عن الدوافع الشعورية، بل استجاش تلكم الضمائر بالتوجيه تارة وبالقدوة تارة أخرى، وبهذا وذاك تمت التربية الخلقية التي أرادها الإسلام للأفراد والمجتمعات، وفي ظل تلكم التربية الخلقية، وذلكم الحب والرحمة، دعا الإسلام الناس إلى الإيثار والتضحية، بما هو عزيز على النفوس والقلوب، وذلك لإسعاد الآخرين، لأن التكامل لا يقوم إلا بقوم يؤثرون على أنفسهم ويضحون بالغالي والنفيس، فالمجتمع فيه الغني والفقير، وفيه الوجدان والحرمان، وقد رسمه القرآن الكريم صورة جميلة رائعة، صورة للإيثار الذي قام به أهل المدينة، الذين استقبلوا المهاجرين فآووهم وشاركوهم مالهم وديارهم، في رحابة صدر، وسماحة نفس، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}⁣[الحشر: ٩]، وهنالك صورة رائعة رسمها القرآن الكريم للمثل الأعلى للإنسانية، أولئك أهل بيت النبي الطاهر الأقدس علي وفاطمة، لا تقلّ روعة وجمالاً عن تلكم الصورة المتقدمة، بل أروع وأجمل منها، فقال عزَّ من قائل: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ٧ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ٨ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ٩ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ١٠}⁣[الإنسان: ١٠]، وترغيباً للمجتمعات، أنبأنا الإسلام في القرآن بأن كل ما يبذله المسلم من جهد ومال فإنما هو قرض لله لا يضيع عنده، ووعد القائم بذلك بالثواب، وأخبر أن الكف عن بذله تهلكة، والثواب والعقاب هما وسيلتان من وسائل التربية للضمائر الحية في الإنسان فقال الله، عز