الإحياء على شهادة الإجماع،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

سؤال آخر على هذه الطريقة

صفحة 73 - الجزء 1

سؤال آخر على هذه الطريقة

  يقال لهم: إذا قلتم: إن الله سبحانه خلق العالم للصلاح، فهل تعنون بذلك أنه خلق العالم ليفعل العالَمُ الصلاحَ أو ليفعل الله سبحانه به الصلاح؟ فإن قالوا بالأول أوجبوا أن يكون العالم حياًّ قادراً حتى يصح كونه فاعلاً، وأن و تكون هذه الفروع والحوادث فعلا له، لا فعلا الله سبحانه، كما أن صلاح المتعبدين والأحياء القادرين فعلٌ لهم، لا لله، وذلك باطل وخروج من مذهبهم.

  وإن قالوا: بل خلقه ليفعل الله سبحانه به من الصلاح ما يشاء. فقد خرجوا من مذهبهم في الإحالة، وأوجبوا نسبة هذه الأفعال الحادثة إلى الله سبحانه يفعل منها في كل وقت ما يشاء.

  ثم يقال لهم: فما معنى قولكم: «يمكن منه الفساد» أتريدون بذلك أن العالم يمكنه أن يفعل هو الفساد أن يفعل غيره به الفساد؟ فإن قالوا: مرادنا بذلك أن العالم يفعل الفساد. أوجبوا أن يكون حيا قادرا، وذلك باطل بما تقدم، وفيه خروج من مذهبهم.

  وإن قالوا: بل يفعل غيره به الفساد دون أن يكون هو فاعلا؛ لأنه ليس بحي ولا قادر. قيل لهم: فالفاعل به ذلك هو الله سبحانه أو غيره؟ فإن قالوا: غير الله.

  خرجوا من مذهبهم؛ لأن من مذهبهم نسبة هذه الإحالات التي يسمونها فسادا من مرض وموت وذهاب عضو ونقصان ثمرة إلى الله تعالى بطريق الفطرة والتركيب، ولو كانت فعلا لغيره لَمَا نسبت إليه بهذه الطريق ولا بغيرها.

  وإن قالوا: بل يفعل الله سبحانه⁣(⁣١) من هذه الأشياء التي يعدها الناس فسادا ما شاء في أي وقت يشاء. خرجوا من مذهبهم، وصار ما يوجد من هذه الأفعال


(١) نهاية ١٤١ أ (ك).