الإحياء على شهادة الإجماع،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

طريقة أخرى

صفحة 76 - الجزء 1

  ومتى قالوا: ليس العالم يحيل ويستحيل. قيل لهم: ما تريدون بذلك؟ أتريدون أن العالم يفعل هذه الإحالة والاستحالة أم تريدون أن غيره يفعل به الإحالة والاستحالة؟

  فإن قالوا بالأول لزمهم أن يكون حيا قادرا، وهذا باطل وخروج⁣(⁣١) من مذهبهم. وإن قالوا: بل ...... (⁣٢) غيره يفعل به الإحالة والاستحالة وفاعلها لا بد أن يكون حيًّا قادراً. قيل لهم: فهذا خروج من مذهبكم.

  ثم يقال لهم: ففاعل هذه الإحالة هو الله تعالى أو غيره؟ فإن قالوا: هو غيره. خرجوا من مذهبهم.

  وإن قالوا: هو الله تعالى. فقد خرجوا من مذهبهم في تنزيه الله سبحانه بزعمهم عن فعل كثير من هذه الآفات التي يزعمون أنها إحالات؛ وإذا صح أنه فعله فالواجب أن يكون فعلها في وقت حدوثها، وأن يكون مريدا لها في وقت حدوثها، وأن تكون حكمة وصوابا، وإلا خرجوا عما أجمعوا عليه من الفصول المتقدمة.

  فصح لك بهذه الجملة أن جميع ما أضافوه إلى إحالة العالم هو فعل الله سبحانه الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما يفعلون؛ وإنما وجدوا أن كثيراً من أفعاله سبحانه لا تحدث إلا عند شروط، كالولد الذي لا يحصل إلا عقيب النكاح، والزرع الذي لا يحصل إلا عقيب اجتماع الماء والتراب والحب؛ فظنوا أن ذلك حاصل من هذه الأشياء من دون اختيار فاعل مختار يُحدِثُ بعد حصول هذه الشروط ما يشاء، وهذا غلط قبيح يجري مجرى مَنْ ظن أن الكتابة لا تصح ولا تقع إلا بعد اجتماع القلم والقرطاس والمداد، فظن أن هذه الأشياء كافية في


(١) نهاية ٢٣ ب (ش).

(٢) كلمتان أو ثلاث غير ظاهرة.