[في قولهم: إنه تعالى قصد الأصول ولم يقصد الفروع]
  حصولها وأنها لا تحتاج إلى فاعل يفعل من ذلك ما يشاء في وقت حدوثه ويوقع منه ما يريد، وهو جهل عظيم؛ فإن هذه الأشياء لو اجتمعت أعصاراً متوالية ولم يحصل فاعل مختار يُحدِثُ من الكتابة ما يشاء لما حدث منها شيء.
  وكذلك الكلام في الولد بعد حصول النطفة في الرحم وتكامل المادة وسلامة الموضع لو لبثت أعصاراً كثيرة ولم يُرِدِ الله سبحانه حدوث ولد منها لَمَا حدث منها شيء؛ ولهذا فقد يحصل كثير من النطف ولا يحصل منها شيء من الأولاد.
  والكلام في الزرايع على هذا النحو؛ وجميع أفعال الله سبحانه الموقوفة على شروط تجري هذا المجرى، نحو العافية التي تحصل عقيب الدواء، فإن الدواء يجري بها مجرى الصب(١) للزرع، وكذلك المرض الذي يحصل عقيب تناول بعض الأشياء فإنه له كالصب للزرع أيضاً، والفاعل لهذه الحوادث هو الله سبحانه في وقت(٢) حدوثها على ما تقدم بيانه، وهذا واضح لمن تأمله، وعليه دل قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ٦٣ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ٦٤ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ٦٥ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ٦٦ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ٦٧}(٣).
[في قولهم: إنه تعالى قصد الأصول ولم يقصد الفروع]
  ثم يقال لهم: أنت تزعمون أن الله سبحانه قصد الأصول ولم يقصد هذه الفروع، فما معنى قولكم: إنه قصد الأصول؟ فإن قالوا: معنى ذلك أنه خلقها. قيل لهم: فإذا كان معنى القصد عندكم هو الخلق ثم قلتم: «لم يقصد الفروع»،
(١) كذا قرأتها.
(٢) نهاية ٢٤ أ (ش).
(٣) سورة الواقعة الآيات من ٦٣ - ٦٧.