[في قولهم: إنه تعالى قصد الأصول ولم يقصد الفروع]
  مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا}(١)، وصح أنه تعالى قاصد لما يفعله في الدنيا أيضاً وإن كان قد أوجده من أصل وعلى غير الوجه المعتاد، وبطل مذهب الإحالة.
  ثم يقال لهم: إذا قلتم بأن ذلك كله يحصل بالقصد والعمد، فيما تقولون الأجسام هنالك تحيل وتستحيل أم لا؟
  فإن قالوا: لا تحيل ولا تستحيل(٢). قيل لهم: فيجب على أصلكم أن تكون النار لا تحرق من دخلها والمقامع لا تؤلم من ضُرب بها، وأن تكون أنهار الجنة لا تروي من شربها وأطعمتها لا تُشبع من أكلها، على مثل ما ألزمتموه خصومكم في الدنيا.
  وإن قالوا: تحيل وتستحيل. قيل لهم: فيلزم على أصلكم أن تحرق النار من لم يُرِدِ الله إحراقها له، كخزنة النار وما فيها من العقارب والحيات، بل يلزمهم أن يجوزوا خروج شَرار النار إلى الجنة وإن لم يرد الله سبحانه وصولها إليها فتحرق أهلها، ويجوز أن تنشئ الرياح سحاباً فيقع على النار فتطفئها، ويجوز أن يحترق أهل النار بها فيذهبون رماداً وإن لم يرد الله سبحانه شيئاً من ذلك كما أنه يحصل من الإحالة مثل ذلك في الدنيا وإن لم يرده تعالى. وكذلك يلزمكم أن تجوزوا تنغيص الجنة على أهلها بضروب من الإحالات، نحو أن يفسد ما فيها من الأنهار والعسل واللبن والخمر بطول المكث والإقامة، وأن يقصد بعضهم التلذذ بما يتناوله من ذلك فيفسد مزاجه حتى يمرض أو يموت أو أن تخلف ثمارها بالعوارض أو تفسد، وأن تثير الرياح فيها سحاباً فيمطر الماء وتعترضه رياح أخرى فيصير برداً وينزل على أهل الجنة، فيذهب بها فيها
(١) سورة البقرة من الآية ٢٥.
(٢) نهاية ٢٥ أ (ش).