الإحياء على شهادة الإجماع،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

[في قولهم: إنه تعالى قصد الأصول ولم يقصد الفروع]

صفحة 82 - الجزء 1

  من ثمار وأشجار حتى يتركها جرداً كأن لم تغن بالأمس، إلى أمثال ذلك من هذه الأمور التي تحصل أمثالها في الدنيا بالإحالة والاستحالة وإن كان الله سبحانه لا يريد شيئاً من ذلك ولا قصده.

  وإن قالوا: إنا نقول: إن الأجسام هنالك تُحيل وتستحيل لا على معنى أنه يحدث منها ما لا يريده الله سبحانه ولا يقصده، بل معنى ذلك أنه تعالى يفعل من كل شيء منها ما عَوَّدَ أنه يفعله منه، كالثمرة المخصوصة من الشجرة المخصوصة وما جرى هذا المجرى، وليس يجري منه تأثير ولا إحالة إلا ما شاء الله سبحانه في كل وقت وحين.

  قيل: فقد وافقتم على نفي هذه الحوادث عن الأجسام وإضافتها إلى فاعلها الذي يختارها في كل وقت، فما يمنعكم أن تقولوا بمثل ذلك في الدنيا؟

  ويجب أن نبطل معنى قولكم بالإحالة والاستحالة؛ لأن مذهب الإحالة مبني على أن هذه الحوادث التي تحدث حالاً بعد⁣(⁣١) حال قد كفى العالم في حصولها ...... (⁣٢) معني عندكم لأن يختار الله سبحانه فعل شيء من ذلك في وقت حدوثه مع أنه قد جعلها تحيل وتستحيل كما أنكم تقولون في حوادث الدنيا؛ لأنكم تُلزمون خصومكم الذين يجعلون هذه الحوادث من الخلق والرزق والموت والحياة - موقوفة على اختيار الله سبحانه يفعل منها في كل وقت ما يشاء - أن لا يكون العالم محيلا ولا مستحيلا، وقد صرتم الآن في أمور الآخرة إلى مثل هذه الحال، فإذا كان عندكم إنما يصح وصف العالم بأنه محيل ومستحيل مع أن الله تعالى هو الذي يخلق في كل وقت وحين ما يشاء في الآخرة - فقولوا بمثل ذلك في الدنيا، ولا تجعلوا ما تلحون⁣(⁣٣) به من ذكر


(١) نهاية ٢٠ ب (ش).

(٢) في (ش) كلمتان أو ثلاث غير ظاهرة بسبب الرطوبة.

(٣) كذا تقرأ في (ش)، ولعلها: «تلحنون» أو «تلهجون».