[في قولهم: إنه تعالى قصد الأصول ولم يقصد الفروع]
  الإحالة طريقا إلى نفي أفعال الله سبحانه عن أن يكون أحدثها في حال حدوثها، وفي هذا خروجهم من مذهب الإحالة الذي عليه يناظرون.
  ثم يقال لهم: إذا كنتم تقولون بأنه سبحانه قصد تلك الحوادث في الآخرة فما فائدة تقديمه لأصولها؟ فإن قالوا: لا فائدة فيها. جعلوها عبثاً، تعالى الله عن ذلك.
  وإن قالوا: لها فائدة، وهي أنه تعالى يخلق منها في كل وقت ما يشاء. قيل لهم: فقولوا بمثل ذلك في هذه المخلوقات الحادثة في الدنيا، فإن الله سبحانه أوجدها من أصول لها فائدة، وهو أنه يخلق منها في كل وقت ما يشاء، لا لأن فائدتها هو أنها تكفيه الإيراد والإصدار.
  وإن قالوا: بل جميع(١) ما في الآخرة يحصل بالإحالة والاستحالة من دون قصد واعتماد. لزمهم ما ألزمناهم أوَّلاً من حدوث الأمور التي ذكرناها في الجنة والنار من غير أن يريد الله سبحانه حدوثها؛ لأن هذه صفة الْمُحِيل والْمُستحيل عندهم في الدنيا، وهي أن يحدث منه ويسببه ما لا يريده الله سبحانه، بل ما يريد نقيضه وخلافه، فيعود الكلام إلى أن لا يثق أحدٌ بوعد ولا وعيد، ولا بخلود في جنة ولا نار، ولا بخلوص نعيم الجنة من المنغصات وعذاب النار من الرَّوْح والرَّاحة، وكل(٢) ذلك باطل وخروج مما عليه [أهل الإسلام](٣).
  فوضح لك بهذا أنه لا بد من القول بأن الله سبحانه قاصد لجميع ذلك وإن كان قد أوجده من أصل وعلى وجه معتاد، وصح أنَّ لأصوله المقدمة عليه فائدة ليست أنها تكفي الله تعالى حدوث الحوادث، بل هي أن يختار ما شاء من
(١) تكرر في (ش): «بل جميع».
(٢) نهاية ٢٦ أ (ش).
(٣) في (ش) لا يظهر منها إلا «... لام».