الإحياء على شهادة الإجماع،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

[في قولهم: إنه تعالى قصد الأصول ولم يقصد الفروع]

صفحة 86 - الجزء 1

  وهي من النِّقَم فهي مقصودة أيضاً، وتعليقها بهذه الأعراض لا يمنع من كونها أفعالاً لله فعلها في وقت حدوثها وقَصَدَها وأرادها، ولا يجب أن يكون ما عُلِّقت به أو أضيفت إليه فاعلاً ولا مُحيلاً.

  قيل لهم: فارضوا منا بمثله وقولوا بأن إضافة هذه الحوادث إلى هذه الأجسام الجمادات منها ولا يمنع من إضافتها إلى الله تعالى وكونه فاعلاً لها وقاصداً لحصولها كما قلتم بمثل ذلك في الأعراض؛ إذ لا فرق بين الإضافتين ولا بين المضاف إليه منهما؛ من حيث إن كل واحد من ذلك إضافة الفعل إلى غير فاعله، وهو تعليق غُرفي وصناعي جرى عليه أهل اللغة للاتساع في الكلام، كما يقولون: «جرى القلم بما فيه» و «آلَمَّتِ الحمَّى الْحُبْلى» إلى غير ذلك.

  ثم يقال لهم: أنتم أيضاً تستدلون على الإحالة بأن الله سبحانه قد أضاف النفع إلى الأجسام بقوله: {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}⁣(⁣١) وما جرى هذا المجري، وتقولون: إن ذلك لو لم يكن حاصلا بإحالة الأجسام لما صح تعليق النفع بها، فيقال لهم: إنه تعالى قد علق النفع أيضاً بالأعراض في كثير من آيات القرآن، نحو قوله: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ}⁣(⁣٢) وقوله: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ١٠٩}⁣(⁣٣) وأمثال ذلك، فيما تقولون، أهنا النفع حاصل بإحالة هذه الأعراض أم لا؟ فإن قالوا: حاصل بإحالتها. خرجوا من مذهبهم.

  وإن قالوا: لا يحصل بإحالتها، وليس تعليقه للنفع على هذه الأشياء يدل على أنها محيلة، ولا يمنع من أن يكون هذا النفع فعلا لله سبحانه وحاصلا


(١) سورة الرعد من الآية ١٧.

(٢) سورة الأنعام من الآية ١٠٨. نهاية ٢٧ ب (ش).

(٣) سورة طه من الآية ١٠٩.