[في قولهم: إن ما يحصل في المفعول به فعل الله تعالى]
  المظلوم؟ فإن قالوا: هو الذي فعل الظلم. كان هذا عكس الواجب وقلب القضايا؛ لأن الظالم في اللغة: هو الذي فعل الظلم، والمظلوم: هو الذي وقع به الظلم.
  وإن قالوا: بل المظلوم هو الذي وقع به الظلم أيضاً ووُجِد فيه مع أن الذي وقع ذلك به ووجد فيه ظالم أيضاً. فقد جعلوه ظالماً و مظلوماً لأجل وقوع الظلم به، وهذا محال لا يخفى.
  ثم يقال لهم: لماذا نسبتم حركة يد الضارب إليه وجعلتموها فعلاً له دون الله سبحانه؟ فإن قالوا: لأنها موقوفة على اختياره: توجد إذا شاء وجودها، ولا توجد إذا لم يشأ وجودها. قيل لهم: فيجب عليكم أن تنسبوا حركات سيفه في يده ووقوعه حيث وقع مِنْ بدن المضروب، وما حصل به من جرْح وقطْع إلى الضارب(١) أيضاً؛ لِمثل ما ذكرتم، فإن جميع ذلك يقف على اختياره في الوجود والعدم؛ فإن أوجبَ ذلك نسبةَ حركة يده إليه بهذه الدلالة الصحيحة أوجب أيضاً نسبة جميع ما حصل من هذه الأفعال التي هي حركات السيف وما يتبعها من وقوعه وقطعه - إليه، وإن لم توجِب هذه القضية نسبةَ ما يوجد في المضروب والسيف إليه لم توجِب أيضاً نسبةَ ما يوجد في يده من الحركة إليه.
  ومتى قالوا: إنما نسبنا إليه حركات يده لكونها موقوفة على اختياره وموجودة في بدنه؛ فلاجتماع الأمرين نسبناها إليه.
  قيل لهم: فيجب أن تنسبوا إليه ما يوجد في بدنه من الجراحات التي يجنيها على نفسه، نحو أن يطعن بطن نفسه أو يعضَّ لسان نفسه، فتضيفوا إليه ما يوجد في بطنه أو لسانه من الجراح والآلام؛ لأن ذلك موجود في بدنه و موقوف
(١) نهاية ٢٨ أ (ش).