الرسالة المناصفة للمتكلمين والفلاسفة،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

[الطريقة الثانية: إفساد طريقة المخالف في إثبان النفس]

صفحة 533 - الجزء 1

[تأكيدات من السمع]

  ومما يؤكد هذه الجملة المتقدمة آيات القرآن الكريم المقتضية كون هذا الشخص هو الإنسان المخاطب بالتكاليف المأمور المنهي المؤاخذ بالأعمال، نحو قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ١٢ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ١٣ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ١٤}⁣(⁣١)، وقوله تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ١٧ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ١٨ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ١٩ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ٢٠ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ٢١ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ ٢٢ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ٢٣}⁣(⁣٢)، وقوله⁣(⁣٣) تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ٢٦}⁣(⁣٤)، وأمثال ذلك من النصوص الظاهرة التي تنطق بصريحها أن الإنسان هو هذا الشخص المخلوق من الطين أو الماء المهين المتنقل بين هذه الحالات المذكورة، وأنه المخاطب بالتكاليف والذي يوجه إليه الأمر والنهي، وذلك صريح قوله: {كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ٢٣}⁣(⁣٥)، وأنه الميسر للسبيل بالتعريف والهداية وغير ذلك، وأنه الذي يموت ويقبر، وكل ذلك دلالة واضحة على ما تقدم ذكره؛ فبطل ما ذهب إليه المخالف من أن ذلك كله ينصرف إلى النفس التي هي سوى هذا الشخص، وذلك بين لمن أنصف ولم يكابر.

[الطريقة الثانية: إفساد طريقة المخالف في إثبان النفس]

  وأما الطريقة الثانية فتحريرها هو أن ما أثبته المخالف من النفس على ما يزعمه مما لا طريق إليه، وإثبات ما لا طريق إليه لا يجوز. وهذه الدلالة مبنية


(١) سورة المؤمنون الآيات من ١٢ - ١٤.

(٢) سورة عبس الآيات من ١٧ - ٢٣.

(٣) نهاية ١٦٦ ب.

(٤) سورة الحجر الآية ٢٦.

(٥) سورة عبس الآية ٢٣.