[الوجه الثالث مماتمسكوا به]
  وأما استدلالهم على العالم المدرك للأمور المجردة بما أوردوه من(١) القسمة، وقولهم: إن تجرده لا يخلو: إما أن يكون لأجل المأخوذ منه أو لأجل الأخذ على ما ذكروه - فإنه لا يصح؛ لأنه قسمة غير حاصرة ولا دائرة بين إثبات ونفي، ولم يذكروا طريقة تقتضي صحتها. ويقال لهم: هل تعلمون(٢) صحة هذه القسمة علما أوليا كما تعلمون أن العدد إما أن يكون زوجا أو فردا: وأن الكل أكثر من الجزء؟ فإن ادعوا كون ذلك معلوما كابروا، وإن ادعوا كونه أوليا كانت المكابر [ة] أظهر؛ لأن ذلك ليس بمعلوم فضلا عن أن يكون أوليا؛ إذ من الجائز أن يكون تجرد المطلق لغير ما ذكروا لو صح تجرده.
  وثم يقال لهم: لماذا كانت العقول والنفوس مجردة عن القرائن وما علة ذلك؟ فإن قالوا: لأن موجبها مجرد. قيل لهم: فيلزمكم أن تكون الأشياء كلها مجردة؛ لأن مبدأها وموجبها مجرد، وذلك باطل؛ فلم يصح التعليل بذلك.
  فظهر لك بهذه الجملة بطلان هذا الحكم وبطلان علته.
[الوجه الثالث مماتمسكوا به]
  ومن جملة ذلك قولهم: لو كان العقل يعقل المعقولات بالة جسمانية لما عقل نفسه، ولا شك أنه يعقل نفسه، فثبت أنه لا يعقل بآلة جسمانية.
  والدليل على صحة المقدمة الأولى - وهي أنه لو عقل المعقولات بآلة جسمانية لما عقل نفسه - أنا لما كانت الرؤية لما نراه من الأجسام بالة جسمانية لم تر(٣) الرؤية نفسها، فكذلك كان يجب في العقل.
(١) نهاية ١٦٩ ب.
(٢) في المخطوطة: «تعلموا».
(٣) في المخطوطة: «ترى».