الرسالة المناصفة للمتكلمين والفلاسفة،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

[الطريقة الأولى: إقامة البرهان ابتداء]:

صفحة 532 - الجزء 1

[١: أن كل عاقل يعلم أكثر أحواله ضرورة]

  فالذي يوضح الأول أن كل واحد يعلم كونه معتقدا ومريدا وكارها وظائا وناظرا ومشتهيا ونافرا ومدرگا، علوما ضرورية لا تندفع عن نفسه بشك ولا بشبهة⁣(⁣١)، بل هي من أجلى العلوم الضرورية التي هي معدودة من كمال عقله.

[٢: أنه لا يعلم النفس التي يزعمها المخالف ضرورة]

  والذي يدل على الثاني هو أن النفس لو ثبتت على ما يزعمه المخالف لكانت هذه العلوم الضرورية علوما بأحوالها؛ لأنها هي العامة والمريدة والكارهة والمفكرة إلى غير ذلك من أحوالها، ومعلوم أن النفس على ما يقوله والمخالف لا علم ضرورة، بل لا تعلم عنده إلا بقياسات غامضة، فكيف علم أحوالها ضرورة ومعلوم أن العلم بأحوال الشيء وصفته تابع للعلم بذات ذلك الشيء، ألا ترى أنه لا يصح العلم بحدوث ذات إلا بعد العلم بتلك الذات، كذلك فلا يصح العلم بأن زيدا عالم أو مريد إلا بعد العلم بذاته، فإذا كان العلم بالفرع⁣(⁣٢) ضروريا مع أن العلم بالأصل⁣(⁣٣) مكتسب لأن⁣(⁣٤) ذلك يوجب أن يزول الضروري لاعتراض الشبهة التي تزيل أصله المكتسب، وقد ثبت أن من حق الضروري أن لا يزول بالشك والشبهة، فكان يجتمع لهذا العلم الضروري صحة زواله بالشك والشبهة واستحاله زواله بهما، وذلك محال، فصح أن العلم الضروري المتعلق بهذه الأحوال مستند إلى علم ضروري ١٨ بذات الموصوف بهذه الصفات والأحوال، وليس ذلك إلا هذا الشخص؛ لأنه المعلوم ضرورة، فكانت هذه الصفات راجعة إليه دون ما ذكره المخالف.


(١) نهاية ١٦٦ أ.

(٢) أحوال العاقل من كونه معتقدا ومريد ... الخ.

(٣) النفس التي يزعم المخالف.

(٤) كذا في المخطوطة. ولعلها: «فإن».