[أقوال من نفى النفس من المتكلمين]
  ما يختاره علماء المتكلمين من القولين، وما صح عندي من طريق المعرفة به، فإن اختيار مذهب على مذهب قبل المعرفة والبيان ضلال بصاحبه عن قصد السبيل، ومتابعة للهوى بغير دليل {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ٥٠}(١)، ولا يحصل من ذلك تقليد من أحبه المرء وأنس به؛ لأن المقلد لا يأمن خطأ من قلده، فيكون بتقليده له: متعلقا بحبل غرور، ولأنه ليس بعض المقلدين أولى من بعض، فلو ساغ تقليد من أثبت شيئا لساغ تقليد من نفاه؛ لأن المقلد لا يفصل بينهما، وكمايجوز أن تكون أحوال من قلده جميلة عنده فكذلك يجوز أن تكون أحوال من خالفه جميلة عند غيره، وفي ذلك تساوي النفي والإثبات، وذلك باطل؛ فلذلك الزم كل عاقل أن لا يتقدم في أمر من الأمور قاطعا عليه بنفي أو إثبات إلا بعد معرفته به وإيقان(٢) له، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ٣٦}(٣).
[أقوال من نفى النفس من المتكلمين]
  والقول الآخر من القولين الذي(٤) حكاها السائل من السؤال هو الذي عليه أهل التحصيل من المتكلمين على ما ذكره، وإلى معرفة ذلك طريقان:
  أحدها: إقامة البرهان على صحته ابتداء؛ فيظهر لمعرفة(٥) ذلك أنه لا صحة لما خالفه.
(١) سورة القصص من الآية ٥٠.
(٢) وتحتمل أن تقرأ أيضا: «وإتقان».
(٣) سورة الإسراء الآية ٣٦.
(٤) كذا، ولعلها: اللذين.
(٥) كذا، ولعلها: بمعرفة.