[سبب تأليف الرسالة وموضوعها]
  ذهب من علماء الإسلام المحصلين من أهل الكلام إلى خلاف ذلك، ولم يثبت النفس على حد ما أثبته الأولون، بل قال: إن النفس التي يتوجه نحوها التكليف ويرد عليها الأمر والنهي، وتقصد بالثواب والعقاب ليس أمرا(١) سوى هذا الشخص المعروف بالمشاهدة متى تكاملت شرائط تكليفه؟
  وقلت: إن الكلام في ذلك قد أكثر فيه المتقدمون والمتأخرون، وارد بعبارات غريبة الألفاظ غامضة المعاني، ولعل ذلك كان من أصحابه: إما لكونه من العجم فصار في خطابهم هذا النوع من الغموض، وإما (لشدة أنسهم)(٢) بهذا الخطاب فصار ذلك سببا لالتباس الأمر على من طلب معرفته، وربما طالت عنايته بذلك وبعد إدراكه أو تعذرت معرفته به.
  وأحببت مني أن أوضح لك ما يعتمده الفريقان بعبارات سهلة الألفاظ جلية المعاني، وأن أورد ما ينصر به كل فريق ما ذهب إليه من ذلك بأدلته ١٢ وبراهينه؛ ليكون ذلك قريب المأخذ لمن رغب فيه، واضح المنهاج لمن سلكه.
  فرأيت إجابة مسألتك وإسعاف طلبك من واجبات أخوتك ولوازم حقوقك ومودتك، وسببا قويا في تحصيل الثواب، ونيل الزلفى وحسن المآب، قال رسول الله ÷: «العلم خزائن مفتاحها السؤال، فاسألوا رحمكم الله، فإنه يؤجر فيها أربعة: السائل والمعلم والمستمع والمجيب لهم»(٣).
  ورأي أن أسلك في هذا الباب(٤) جامعة لأغراضك بالسؤال، فأذكرَ أَوَّلًا
(١) في المخطوطة: «أمر».
(٢) كذا أقرب قراءة هاتين الكلمتين، بعد حذف حرف الألف في أول «لشدة».
(٣) أخرجه الإمام الناطق بالحق أبو طالب في تيسير المطالب: (٢١٧) رقم (١٦٩).
(٤) نهاية ١٦٤ أ.