إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

الكلام في بيان أن القرءان في أعلى طبقات الفصاحة

صفحة 204 - الجزء 1

  ومن ذلك قوله ø: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ}⁣[المائدة: ٦٤]، أراد: كلما أهاجوا شرا.

  وأمثال هذا في القرءان أكثر من أن يعدَّ ويحصى، وهي عادة العرب في مخاطباتها ومحاوراتها، وأشعارها وخطبها، ولم نطول الكتاب بذكر ما ورد عنهم في هذا الباب، لشهرته واستفاضته.

  ومن أقسام الفصاحة: الإيجاز.

  وذلك ينقسم إلى قسمين، قد يكون بتقليل الحروف مع استيفاء المعنى، وقد يكون بالحذف، والحذف على أنحاء شتى، ونحن نبينه على جميع ذلك بذكر بعضه، إذ استيفاء جميعه مما يطول.

  فمن الإيجاز بتقليل الحروف، قوله ø: {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ}⁣[النمل: ٩١]، ومن ذلك قوله ø: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا ٣١ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ٣٢}⁣[النازعات]، قلَّلَ الحروف في هذا الموضع، لما أراد الإيجاز، وبسط حيث أراد البسط في هذا المعنى، فقال: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا ٢٥ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ٢٦ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ٢٧ وَعِنَبًا وَقَضْبًا ٢٨ وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا ٢٩ وَحَدَائِقَ غُلْبًا ٣٠ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ٣١}⁣[عبس]، وقال أيضا: {خَلَقَ الانسان مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ ٤}⁣[النحل].

  فانظر - رحمك الله - إلى شرف هذا الكلام، فإنه أوجز هذا الإيجاز، وذكر للإنسان حالتين: